العام الدراسي بين المقاطعة والمكرمة والمزايدات

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

لا شيء يدل على أن إنقاذ العام الدراسي الحالي ممكن، فالإصرار على قرار فتح المدارس والتدريس كان يجب أن يترافق مع خطة واضحة من وزراة التربية والمعنيين بالقطاع التربوي لحل المشكلات التي يعانيها الأساتذة ومساعدة الأهالي على تخطي الازمات التي يعيشونها بفعل سياسة التجويع والتنكيل من العهد القوي وأدواته.

وجاء اعتصام الأساتذة والمعلمين بدعوة من هيئة التنسيق النقابية الأربعاء الماضي، الذي سمي بــ”يوم الغضب”، ليسلط الضوء على ضرورة تحقيق مطالب المعلمين حتى يستطيعوا القيام بواجباتهم، بعد اعلان مقاطعتهم العام الدراسي حضوراً وتوقيعاً. والواضح أن إصرار البعض على إدارة الأذن الطرشاء لمطالب المعلمين وللتخفيف من عبء المصاريف المكلفة عن الأهالي عبر تأمين النقل او توفير ما يمكن توفيره من مساعدات في دعم أسعار الكتب وتوزيع القرطاسية الضرورية مجاناً.

وحتى الآن لا يبدو ان هناك ضوءاً في الأفق لإنقاذ العام الدراسي من براثن الإهمال والأزمات، مع العلم أن قرار بدء بالتدريس اتخذ من قبل وزير التربية، الا ان تنفيذه صعب عملياً ليس فقط بسبب مقاطعة الأساتذة وإنما أيضاً بسبب حال العائلات التي لا تستطيع توفير مستلزمات التعليم لاولادها ومشكلة الكهرباء والمحروقات وهو ما يطرح السؤال حول كيفية الاستفادة من المنح الدولية للقطاع التربوي.

ويؤكد رئيس رابطة التعليم الثانوي نزيه جباوي لـــ”لبنان الكبير”، ان “الأساتذة ليسوا مصرين على عدم تمرير العام الدراسي بل هم حريصون على حصوله بشكل سليم وبما يحفظ حقوق الجميع، نحن رفعنا الصوت حتى تؤمّن المقومات والمستلزمات الضرورية للأساتذة والمؤسسات التربوية، للأسف ما زلنا حتى الآن لا نسمع الا الوعود، لقد تراجعت رواتب الأساتذة 12 ضعفاً الى الوراء والقرار الذي اتخذته هيئة التنسيق النقابية هو قرار مبني على استبيان رفعته الى الأساتذة، وجاءت نتائجه واضحة 90 في المئة صوتوا مع مقاطعة العام الدراسي اذا لم تتأمن المستلزمات والمقومات أولها رفع نسبة الرواتب، اليوم نقبض على سعر الدولار 1500 وندفع مصاريفنا على دولار 18 أو عشرين الفاً”.

وعما اذا كان موقف الأساتذة يخلق اشكالاً مع الأهالي، يجيب جباوي: “المعلمون والأساتذة هم اهل بالدرجة الأولى ولديهم أطفال يتعلمون، ولا يمكن ان يقفوا ضد مصلحة أولادهم، الاهل اليوم ليست لديهم القدرة على دفع الأقساط في المدراس الخاصة او بدلات النقل، ونحن في التعليم الرسمي نشهد نزوحاً من التعليم الخاص للكثير من الطلاب. هذا حصل السنة الماضية أيضاً لكن الاعداد حالياً ارتفعت اكثر، للأسف الدولة لم تساعد، لأن قانون السلسلة 2017 في المادة 80 تمنع التوظيف والتعاقد بكل مستوياته، اقله الأساتذة كل سنة او سنتين يخرج متقاعدين منهم 1300 أستاذ لكن أين بديلهم؟ لا بديل هذا امر لا بد من معالجته عبر استثناء قطاع التعليم من قرار منع التوظيف”.

وعن النقاش الذي حصل مع وزير المال غازي وزني في الحكومة المستقيلة، يجيب: “إيجابيته تكمن في انه بدأ الكلام عن الوضع التربوي ولو متأخراً. نحن منذ حزيران رفعنا الصوت وقلنا يجب تعديل الرواتب بما يضمن كرامة الأستاذ، قلنا هناك قيمة شرائية موجودة في السوق، راتب الأستاذ ما دون 12 ضعفاً من هذه القيمة فهل يعقل الاستمرار في ظل هذا الوضع، السلة الغذائية زادت عشرة اضعاف أي أستاذ يحتاج الى 7 او 8 تنكات بنزين للتنقل واذا صار سعر صفيحة البنزين 350 الف أي أستاذ لا يحتاج الى اشعال تدفئة في منزله في فصل الشتاء، يعني يحتاج الى 15 صفيحة مازوت وهذا ما يوازي نحو 12 مليوناً، فماذا يفعل الأستاذ اذا كان راتبه لا يتجاوز مليونين وخمسمئة ألف ليرة في هكذا حال”.

ويضيف: “نحن نطالب بزيادة تجعلنا نستمر بالقيام بواجبنا ونعلم تلامذتنا ويكون لدى الأستاذ صفاء ذهني للعطاء من قلبه، فكيف يأتي وباله مشغول على عائلته لانه عاجز عن تأمين مستلزمات العيش لها، واذا تحدثنا عن الطبابة اليوم تعاونية موظفي الدولة بالموازنة الموجودة عندها ليس لديها القدرة على التغطية ولا سيما العمليات الجراحية او معالجة مرض ما يستدعي دخول المستشفى اقله يدفع الأستاذ ما بين 20 او 30 مليوناً أي ما يوازي راتب سنة او سنتين حتى يعالج، هذا موضوع يحتاج الى حل لكن الدولة لم تقم بأي خطوة لمعالجة مشكلة الارتفاع الجنوني لسعر الدولار وتركت تبعاته على المواطن وماذا فعلت حتى تضغط مثلاً على المصارف وعلى مصرف لبنان حتى يجروا دراسة لتخفيض سعر الصرف ونحن نعرف انه بحسب بعض الخبراء الاقتصاديين فإن سعر الدولار الفعلي يراوح ما بين 3000 و5000 ليرة بينما سعر الدولار الحالي هو سعر سياسي، لينخفض سعر صرف الدولار ونحن لا نريد زيادة”.

ويشدد جباوي على “عدم وجود خلافات بين المعلمين وكل ما يحكى حالات خاصة عند الطامعين والطامحين ليكونوا في مقدمة العمل النقابي هناك بعض الناس لو اعطيناهم كلمة لالقائها في الاعتصام لكانوا شاركوا، لا خلافات وهذا رأي الأساتذة ونحن لا نطلب لاستاذ دون آخر واي مطلب سيتحقق سيستفيد منه كل الأساتذة وكل من كان يعمل لتسخيف التحرك، اصنفهم في خانة المتآمرين على حقوق الأساتذة، اليوم اذا كانت هناك خلافات ومطامع لدى البعض ليؤجلها الانتخابات ستحصل بعد شهرين ومن سيفوز ويتسلم أي رابطة او نقابة سنكون وراءه حكما لأننا حريصون على وحدة العمل النقابي ووحدة الأساتذة للحفاظ على مكتسباتهم وتحقيق مطالبهم”.

وبرأيه انه عندما نتحدث “عن مساعدات من الدول المانحة، هناك تقديمات لكن للاسف لم نر شيئاً منها. هناك جهود لتأمين أجهزة لابتوب ومساعدات ولكن هذا الامر جاء متأخراً جدا”.

ماذا يقول الأساتذة؟

ويشرح ف.ش الأستاذ في التعليم الثانوي في ثانوية الميناء شمال لبنان طبيعة المشكلات التي يعانيها: “أنا اقطن في بلدة تبعد عن مكان الثانوية التي أعلّم فيها نحو 40 كلم، الازمة الاقتصادية الحالية أثرت في عدم القدرة على الذهاب الى مركز العمل بحيث احتاج يوميا لنحو ٩ ليترات بنزين. والتراجع في قيمة الليرة اللبنانية مقابل الدولار ادى الى تراجع القدرة الشرائية، بحيث لم يعد يكفي المعاش كلفة التنقل والصيدليات، بالاضافة للسوبرماركت، بخاصة اني المعيل لاسرتي التي تتألف من خمسة اشخاص ولدي ثلاثة اطفال في المدرسة، اضف الى ذلك حالة عدم الاستقرار النفسي والاجتماعي، حيث المعاش الشهري انخفض من نحو ١٦٠٠ دولاراً سابقا على سعر صرف الدولار 1500 ليرة الى حوالى 100 دولار وفق سعر صرف اليوم. لا استطيع الوصول للثانوية خصوصاً مع الكلام عن رفع الدعم عن المحروقات وارتفاع سعر صفيحة البنزين”. ويوضح ان “تأثيرات الازمة الاقتصادية واضحة على الصعيد النفسي والعامل الامني المضاف الى سلسلة المشاكل التي نعانيها بخاصة مع قطع الطرقات فجأة، مما يحول دون وصولي للثانوية او التأخر وكذلك الامر لعدم القدرة على اصلاح الاعطال التي تطرأ على السيارة لانها الوسيلة الوحيدة في غياب النقل المشترك، كما ان القدرة الذهنية على التعليم بناء لما قد سبق هي تحول دون اتمام الواجب المهني بالشكل المطلوب، خصوصاً اننا حاربنا باللحم الحي السنة الماضية من طريق التعليم عبر الانترنت وتأمين كل وسائل التعليم عن بعد من جيوبنا الخاصة من تأمين اللابتوب الى الانترنت والكهرباء”. وتمنى ان “يقدّر الاهالي اوضاع الاساتذة، بالنهاية لدينا قدر معين من التحمل واظن ان الاهالي يشاطروننا الرأي في ما خص المشكلة الاقتصادية، مثلا اولادي مسجلون في مدرسة تبعد نحو 7 كلم عن المنزل ويطلب الباص 800 الف ليرة عن كل ولد شهريا”.

وعن دور وزارة التربية، يقول: “هي قامت بتقديم العرض الخاص باعطاء معاش شهر مقسوم على شهرين، إضافة لرفع بدل النقل الى 24 ألفاً لكن هذا لا يكفي بخاصة مع التضخم الحاصل وارتفاع سعر البنزين احتاج الى نحو مليون ونصف مليون ليرة فقط بدل بنزين شهرياً ولو تؤمن لنا بونات بنزين شهرياً يمكن حل المشكلة”.

وتقول م. ب إحدى أساتذة الثانويات أن “الصعوبات التي يواجهها الأساتذة كبيرة وكثيرة ومنها عدم قدرتنا على تأمين البنزين للتنقل، وغلاء المعيشة وارتفاع الأسعار بشكل جنوني وعدم قدرتنا على صيانة وسيلة النقل وغلاء الأجهزة الالكترونية المستعملة للتعليم وعدم قدرتنا على شرائها، فالمعاش كان يعادل ألفي دولار الآن يعادل 160 دولاراً، فكيف بإمكاننا ان نعيش بهذا المبلغ. أضف الى ذلك انا أسكن في منطقة تبعد عن المدرسة التي اعلّم فيها نحو 15 كلم وكل سنة أقدم طلب نقل لثانوية قريبة لسكني لكن الجواب يكون الرفض، حتى لو صار بدل النقل 24 الفا. مشوار مدرستي يكلفني باليوم 40 الفا هذا اذا تأمن البنزين وكيف يمكن لنا ان نتخيل وضع الأساتذة عند رفع الدعم الكلي سيكون هناك إبادة جماعية للموظفين”.

ولا توافق على اعتبار ان تحرك الأساتذة سيخلق مشكلة مع الأهالي “لأن هذه حالهم أيضاً. الأزمة على الجميع، لكن المتضرر الأكبر هو موظف القطاع العام، لأن كل القطاعات تماشت مع الأزمة ورفعت اسعارها بحسب سعر الدولار، ثم نحن أيضا أهالي والمرجح ان نغير مدارس أولادنا من الخاص الى الرسمي مضطرين”.

موقف الأهالي

ويصف عبد الحكيم زكريا وهو اب لاربعة أطفال “الوضع هذا العام بانه سيئ جدا وإن بقي على هذه الحال لن يكون هناك عام دراسي وحتى لو حلت مشاكل المعلمين، ماذا عن التلاميذ؟”. ويرى انه لن يكون هناك حلول “الا إذا تكفلت الدولة أو جمعيات بكل شيء وخصوصأ تأمين النقل”، موضحا: “أنا موظف بشركة أمنية راتبي 940 الف ليرة، إن دفعت رسوم التسجيل لاولادي الأربعة وهم في المرحلة الثانوية كيف اؤمن لهم القرطاسية، دفتر 5 ألوان بــ 150 ألفا وماذا عن بدلات النقل ومن أين أدفع إيجار المنزل وأنا صاحب دخل محدود. هناك الآلاف مثل حالي يعانون وانا لذلك أفضل بقاء الطلاب في المنزل وتلقي التعليم اونلاين وإن إعطونا 24 الفا بدل نقل يصبح راتبي مليوناً و400 الف، لكن انا أيضا اسأل هل يوجد كهرباء وهل أستطيع أن أشترك بالمولّد اذا كان على واحد أمبير 200 الف والشهر المقبل سيصبح فوق الـ400”. ويختم: “كل الخيارات صعبة وحياتنا لم تعد حياة”.

شارك المقال