fbpx

أطفال لبنان… الفريسة الأسهل أمام ويلات الحرب

عمر عبدالباقي
تابعنا على الواتساب

تحت وطأة القصف الاسرائيلي المتزايد منذ أكثر من شهر، يعيش أطفال لبنان في أجواء مأساوية. فقد دفعت الظروف القاسية آلاف العائلات إلى مغادرة منازلها، لا سيما من مناطق الجنوب والبقاع وضاحية بيروت الجنوبية، سعياً الى ايجاد ملاذات آمنة، على الرغم من أن هذه الأماكن لا تستطيع ضمان الحماية من الصواريخ وما يترتب عليها من دمار وصور مروعة.

في خضم الأزمات الأمنية والنفسية التي تعصف باللبنانيين، يتجلى التأثير الأكثر عمقاً على الأطفال، بعد تأخر البدء بالعام الدراسي، إذ تحول العديد من المدارس الرسمية إلى مراكز لإيواء النازحين. كما اختفت الأنشطة الترفيهية من حياتهم، ما زاد من وطأة الظروف الحرجة التي يعيشونها.

أكثر من 400 طفل نازح تركوا بيئتهم المعتادة، ليواجهوا مصائب قاسية، منها فقدان أحد أفراد عائلتهم أو أصدقائهم أو منازلهم. هذه التجارب تزرع في نفوسهم مشاعر الانتقام والتعصب، ما يثير تساؤلات حول مستقبلهم ومصير المجتمع الذي سيكبرون فيه.

تظهر التغيرات السلوكية التي قد تصيب الأطفال خلال أوقات النزاع والنزوح من خلال زيادة مشاعر الخوف. وقد يتطور لدى الطفل هاجس يتعلق بفراق أهله، أو الجلوس بمفرده في أماكن مألوفة، في حين تؤثر الأصوات العالية سلباً على حالته النفسية، ما يؤدي إلى تراجع في عاداته الاجتماعية.

لا يمكن إنكار الجهود العظيمة التي تبذلها مراكز الإيواء لتلبية احتياجات النازحين، من توفير فرش وطعام وملابس، ومع ذلك، تبقى الصحة النفسية أولوية يجب التركيز عليها، خصوصاً بعد كل المآسي التي عاشوها في بلد يفتقر الى الاستقرار.

ويسعى بعض الجهات إلى تنظيم أنشطة ترفيهية للأطفال، لكن تبقى المتابعة والدعم ضروريين بصورة كبيرة. وللأسف، تظل الجهات الحكومية بعيدة عن الاهتمام بهذا الجانب الحيوي، ما يستدعي ضرورة التحرك العاجل لضمان مستقبل أفضل لهؤلاء الأطفال الذين يمثلون الأمل في غدٍ مشرق للبنان.

وأكدت منظمة “اليونيسف” أنها تعمل بجد لتقديم الدعم النفسي الطارئ للعديد من الأطفال ومقدمي الرعاية. ومنذ أواخر شهر أيلول، تمكنت من الوصول إلى آلاف الأطفال من خلال توفير الاسعافات النفسية الأولية والدعم الاجتماعي. وأشارت إلى أن “الشفاء الحقيقي يعتمد على إنهاء العنف”، موضحة أن “الأطفال في لبنان يحتاجون إلى وقف إطلاق نار دائم وفوري، ليتمكنوا من الوصول بأمان إلى الخدمات الأساسية ويبدأوا عملية التعافي من صدمة الحرب. ويتطلب الأمر تحركاً عاجلاً لمنع المزيد من الإصابات والوفيات بين الأطفال، وضمان حماية مستقبلهم.”

في حديث لموقع “لبنان الكبير”، أشار المتخصص في علم النفس العيادي، سامي البيطار، الى الأثر النفسي المدمر للحروب على الأطفال في الظروف الحالية، معتبراً أن “الحروب هي من أكثر الأزمات فتكاً بالنفس البشرية، إذ لا تميز بين إنسان أو حجر، ويكون الأطفال، في كثير من الأحيان، الحلقة الأضعف والفريسة الأسهل أمام ويلات الحرب”.

وأوضح البيطار أن “الأطفال يعيشون حالة من القلق والخوف، قد تصل إلى مشاعر الحداد والكرب نتيجة فقدان منازلهم أو حتى بعض أفراد أسرهم. وأول انسلاخ يعيشه الطفل هو ابتعاده عن منزله، الذي يمثل الملاذ الآمن والدفء العائلي، ما يزيد من شعوره بالقلق والخوف من فقدان هذا الملاذ”، منبّهاً على أن “هذا الخوف يمكن أن يتحول إلى هاجس يسيطر على تفكير الطفل، خصوصاً في الأسر التي يعمل فيها أحد الأفراد في القطاع الصحي أو الاجتماعي، ما يزيد من وطأة الضغوط النفسية عليه”.

وتحدث البيطار عن مجموعة من الاضطرابات النفسية التي قد تظهر لدى الأطفال نتيجة هذه الظروف، مثل القلق المفرط والاكتئاب، وصعوبات في التكيف مع الواقع، ما قد يؤدي إلى اضطرابات في الأكل والنوم، وأعراض ما بعد الصدمة. وقد يظهر ذلك من خلال الذكريات المؤلمة أو السلوك العدائي.

وفي ما يتعلق بمستقبل هؤلاء الأطفال، لفت البيطار إلى وجود نوعين من ردود الفعل: ردود فعل عكسية وأخرى متلائمة مع الحدث. وقد تؤدي الحرب إلى ظهور مقاتلين أو مسالمين، ويتوقف ذلك على البيئة الحاضنة، بما في ذلك الأسرة ومجموعات الدعم المتاحة، سواء كانت حكومية أو غير حكومية.

وأكد أهمية البيئة الحاضنة في تعزيز القيم الشخصية السامية لدى الأطفال، مشدداً على ضرورة توفير مساحات للتعبير عن المشاعر من خلال الحوار، والأنشطة البدنية، والرسم. كما دعا إلى إبعاد الأطفال عن الأخبار المقلقة التي قد تؤثر على حالتهم النفسية.

وأشار البيطار إلى الحاجة المتزايدة لجماعات الدعم، التي يمكن أن تقدم الإسعافات النفسية الأولية للأطفال وأسرهم، ما يساهم في خلق مناخ إيجابي في مراكز الإيواء، معتبراً أن هذه الجهود ستكون ضرورية للتخفيف من آثار الحرب وتعزيز الصحة النفسية للأطفال، وبالتالي بناء مجتمع أكثر تماسكاً وقدرة على التعافي. وجدد التأكيد على أهمية توفير الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال النازحين، ما سيساعد في تحصينهم ضد آثار الحرب، وتحفيزهم على بناء مستقبل أفضل.

إشترك بالقائمة البريدية

شارك المقال