هل العصب الطائفي مهم لدرجة أن نحركه ونستغله حتى في لعبة رياضية، من المفروض أن يكون هدفها الترفيه والمنافسة الشريفة والخروج من روتين البلد المتعب والممل لنعيش أجواء حماسية بعيدة عن الحساسية لدرجة تضخيم الأمور وجعلها خارجة عن المنطق وتحتاج الى التبصر وعدم التسرع في الكلام الذي يصدر عن صاحبه من دون إدراك لانعكاساته على مجتمعه المضطرب والمهتز أصلاً؟
المعترف به أن الرياضة هي تغذية العقل، وتهذيب النفس، بإكساب المرء صفات حميدة كالمثابرة والجلد واللين وإستبدال الحال المذمومة بالحال المحمودة، وهي أيضاً تربية للنفوس قبل أن تكون إحرازاً للكؤوس، هذا في التعريف المعتمد في دول العالم حتى الفقيرة منها. أما في لبنان فهذه المعادلة ليس لها وجود، خصوصاً في نفوس الكبار، الذين من المفترض أن يكونوا عقلاء وحكماء خوفاً على بلدهم من السقوط الكبير والمدوي، والذي لا ينقصه سوى اللعب على العواطف المذهبية والطائفية وهذه المرة من باب الرياضة.
جرت العادة أن تلعب الفرق اللبنانية ضد بعضها البعض الكثير من المباريات في كرة السلة، وكانت الأمور تمشي بسلاسة ويصل الفائز الى النهائي كونه فريقاً يستحق الربح، لكن هذه المرة المباريات على أرض الملعب، لتحولها خطابات بعضهم الى مبارزة طائفية بغيضة وبكلام فتنوي لا وقت ولا توقيت له سوى أنه يؤجج شارعاً في وجه شارع.
نديم الجميل نائب عن بيروت، والفريقان الرياضي والحكمة من بيروت، ولم يفهم أحد لماذا غرّد قائلاً: “ألف مبروك للحكمة وصوله للنهائي، الحكمة كان وسيبقى مصدر الفرح”، الى هنا والكلام حق وصحيح لنائب يشجع الرياضة في بيروت، أما وأن الحكمة كان وسيبقى مصدر الوحدة ورص الصفوف في المجتمع المسيحي، فهذا كلام آخر مرفوض أن يصدر عن نائب بيروت، الا إذا كان هذا النائب يعتبر أن فريق الحكمة ومعه الأشرفية يعيشان في بيروت منفصلة عن أصلها، ويرى بيروت مقسمة ويشجع على أن تكون له بيروته ولنا بيروتنا، من خلال مباراة تجمع الرياضي والحكمة.
كادت تغريدة الجميل غير الموفقة أن تأخذ البلاد الى مكان هي بغنىً عنه، فنحن بلد الطوائف وكما يقول المثل في هذه النقطة “لا تهزني واقف ع شوار”، إذ بدأ الشارع يغلي وحاز الجميل على ردود من القريب قبل البعيد، ومن الصغير قبل الكبير، خصوصاً بعد انتشار فيديوهات تظهر تحول ملاعب كرة السلة الى تجمعات حزبية، هنا سمعها الجميل من القريب الذي انتقد ادخال السياسة في الرياضة، فالربح بحسب النائب جورج عقيص يبقى ربحاً في الرياضة ولا يمكن تحويله الى نصر سياسي، كما أن الخسارة في الرياضة ليست خسارة لطائفة ولا لفريق سياسي.
الجميل الذي كتب “أرزة لبنان ولبنان وحكمة الأشرفية ونبقى”، عاد عن تحويل فريق الحكمة من المواجهة في السياسة الى المواجهة في الرياضة، وعاد شخصياً واستخدم حكمته الضرورية فاعتبر أن تغريدته فُهمت بطريقة خاطئة، فالرياضة وكرة السلة لطالما كانتا وستبقيان المتنفس الأول للشعب اللبناني، بعيداً عن كل المشكلات اليومية والمأساة التي يمر بها البلد وبعيداً عن كل الاصطفافات التي تفرقنا. وتابع الجميّل: “ولفريق النادي الرياضي وجمهوره والقيّمين الذين يعرفونني جيداً، لا بطولة من دون الرياضي والحكمة، ولا بيروت من دون الحكمة والرياضي، ولا مكان للطائفية لا في حياتي اليومية ولا السياسية، ولا في الرياضة”.
الرجوع عن الخطأ فضيلة كما يقولون،
وحقّك تشجع الحكمة
وحقّك تشجع الرياضي
بس حقّك فرنك
إذا بتقلبها مسلم مسيحي.