نار الهجرة لن تحرقنا

فراس خدّاج
فراس خدّاج

كلما ازداد الوضع اللبناني تعقيداً، تزداد أعداد المهاجرين خارج البلاد بشكلٍ كبير… ويصبح الحديث عن “الهجرة” أمراً طبيعياً ومألوفاً لدى الشباب اللبناني نتيجة الواقع الاقتصادي والاجتماعي الذي يعيشونه يومياً.

وعلى الرغم من ذلك، ما زالت هناك أصوات لا تحبذ الهجرة، وهي ليست بقليلة، تنادي حبّ الوطن والبقاء في ربوعه.

تبدأ هجرة الوطن نفسياً لحظة تقديم الطلب، ويهجرون الوطن على مستوى الاحساس، وتظل الامور على حالها حتى لو ظلوا سنوات ينتظرون اشارة الرحيل، فتكون النتيجة الفعلية أننا نعيش في بلدٍ فيه الآلاف من المهاجرين بالنية أو الذين رحلوا من هنا بأرواحهم ولا تزال أبدانهم تتحرك وسط الجموع وكأنها أبدان الموتى الذين فقدوا أرواحهم ولم يبق لديهم إلا الحلم الباهت بالرحيل النهائي. هذه الكلمات البسيطة تلخّص حياة المهاجر اللبناني ونفسيته لدى انسلاخه عن وطنه الأم، ليصبح على مر السنين بعيداً منه وغريباً يزوره في فترات متقطعة.

من هذا المنطلق، عندما تجد شابا لبنانيا يرفض الهجرة وهو مصمم على البقاء في الوطن، يثير فضولك فتسأل: لماذا لم تهاجر بعد يا مشعل؟ مشعل (٢٨ عاماً) يعمل في مؤسسة تجارية، أجابني: “السبب الرئيسي للبقاء في لبنان هو عدم الرغبة في الابتعاد عن الأهل والوطن، والهجرة هي الابتعاد عن أرض الوطن واللجوء إلى بلدٍ آخر لكسب المال وضمان حياة أفضل”.

طريق الهجرة وعرةُ المسلك، ومليئةٌ بالمنغّصات، ومهما بقي الإنسان فاسمه “غريب”، ولن يجد قلباً حنوناً، بين الحجارة الصماء، والأماكن الغريبة التي لن تألفه.

هل عندك أمل بلبنان أفضل؟ ردّ مشعل: “نعم، عندي أمل كبير بأن يعود لبنان مجدداً كما نحلم به، مرّ على البلاد أصعب بكثير من هذه الظروف وانتصر عليها… لبنان هو البلد الذي ترعرعت فيه وحلمت فيه واطمح ككثير من الشباب إلى أن أكمل مستقبلي فيه ومستقبل اولادي…”.

إذا خُيّرت بين لبنان والهجرة، فماذا تختار؟ ختم مشعل: “أختار بلدي لأننا الأمل الوحيد للبلاد ولإنقاذها، لكن الظروف القاسية التي نعيشها، تجعلنا مضطرين إلى ترك الوطن…”.

إن الهجرة والغربة عن الوطن نار لا يعلم مدى حرارتها، إلا من ذاق ألمها واكتوى بنارها، فالوطن يبقى كحضن الأم الحنون. ومهما زار الإنسان بلادا أخرى غير البلد الأم بغض النظر بهدف الزواج أو الدراسة، فلن يشعر بالراحة والانتماء لهذا المكان مهما حاول أن يبدي من المشاعر، سيبقى يحن ويشتاق لتراب الوطن ولا بدّ له أن يعود لذلك الوطن في يوم من الأيام.

شارك المقال