fbpx

وطن يبحث عن مواطنة

سامي كميل طانيوس
تابعنا على الواتساب

“خفض سنّ الاقتراع”، عنوان جديد يتصدّر كواليس الانتخابات. فبعد البازار السياسي والنقاش العقيم الذي تناول اقتراع المغتربين ومسألة حصرهم بستة مقاعد إضافية تمثل القارات الست مناصفةً بين المسلمين والمسيحيين أو انتخابهم للـ128 نائباً، تبرز أخيراً مسألة خفض سن الاقتراع.

ففي خطوة تشكل تطوراً لافتاً على خط التحضيرات الانتخابية، تقدم النواب هادي أبو الحسن وفيصل الصايغ ورولا الطبش وبلال عبدالله وقاسم هاشم وسامي فتفت وأكرم شهيب وأسامة سعد وجهاد الصمد الأسبوع الماضي باقتراح قانون إلى مجلس النواب يرمي إلى تعديل المادة 21 من الدستور لخفض سن الاقتراع إلى 18 عاماً.

هذا الاقتراح ليس بجديد، إذ تعيد بعض القوى السياسية طرحه مع كل انتخابات نيابية. وعلى الرغم من أن خفض سن الاقتراع يشكل مادةً إصلاحية تتيح للفئات الشابة المشاركة في صنع القرار الوطني كما هو متعارف عليه في معظم دول العالم، فإنّه لن يحظى على الأرجح بإجماع النواب، وذلك لحسابات طائفية.

فبحسب الدولية للمعلومات، في حال خُفّضَ سن الاقتراع إلى الـ18 عاماً في انتخابات 2022، سيرتفع عدد الناخبين بمقدار 280 ألف ناخب، 180 ألفاً من المسلمين و100 ألف من المسيحيين، مما يعني مزيداً من الخلل الطائفي على حساب المسيحيين بحيث تصبح نسبة الناخبين المسلمين 67% مقابل 33% من المسيحيين.

التعديل القانوني ما زال قيد الدرس في اللجان النيابية المشتركة، إنما على الأرجح لن يبصر النور؛ فبالإضافة إلى صعوبة مسار التعديل وعدم توافر شروط نجاحه بحسب المعطيات الحالية، لن يحظى هذا الاقتراح بالميثاقية المسيحية، وبالتالي لن يكتب له النجاح، أقله لهذه الدورة الانتخابية. في المقابل، تقول بعض المصادر إن هذا الطرح يستخدم في السياسة بهدف لجم تمسّك بعض القوى، ولا سيما المسيحية منها، باقتراع المغتربين في كافة الدوائر الانتخابية.

في المقلب الآخر، وبعيداً من الحسابات الطائفية والسياسية الضيقة، فإنّ حقّ بعض الفئات الشابة بالمشاركة في الحياة السياسة سيبقى معلّقاً إلى أجل غير مسمى. فشباب لبنان، لا سيما طلاب المدارس والجامعات، شكلوا نبض ثورة 17 تشرين وأحدثوا بوجودهم في ساحات الثورة على مدى أشهر موجة وعي مجتمعي يُراهَن عليها لإحداث التغيير المرجو على صعيد السلطة السياسية المهترئة.

شباب وشابات لبنان يمتلكون طاقة تغييرية هائلة جوهرها الانتماء للوطن لا للطائفة، وهنا بيت القصيد. فالثورة الشبابية المليونية التي عمّت بلاد الأرز وهزّت الرأي العام اللبناني والعالمي كسرت الحواجز الطائفية والمناطقية وأرعبت السلطة التي سارعت إلى إخمادها بشتى الوسائل. نعم، شباب لبنان أرعبوا زعماء السلطة! فثورتهم الحضارية أضعفت مراكز نفوذهم وشكلت تهديداً لشد العصب الطائفي الذي يلجأون إليه للإيهام بانتصارات مزيفة على مؤامرات كونية وهمية تستهدف الطائفة والمنطقة بهدف التغطية على فسادهم.

إنّ اندفاع شباب لبنان وحماستهم للتغيير يضخان دماً جديداً في جسد الوطن الذي ينخره سرطان الطائفية والفساد. ومن حقّ هؤلاء الشباب، لا سيما الأصغر سناً منهم، أن يكون لهم صوتهم وأن يختاروا من يمثلهم عبر الاقتراع فيشاركون بالتالي في صنع القرار ورسم معالم السياسة الوطنية التي تعنى بشؤونهم وشجونهم. من حقّهم أن يختاروا بعناية من سيكون ولياً على مدارسهم وجامعاتهم ومناطقهم ووطنهم ومن سيؤمن راحتهم ورفاهيتهم ومستقبلهم ويحافظ على كرامتهم.

على اللبنانيين أن يتّعظوا من التجارب السابقة وأن يعيدوا النظر في خياراتهم الانتخابية التي أنتجت سلطات على شاكلة السلطة الحالية. فرصة التغيير آتية، ألا يستحق الشباب أن ينالوا قسطاً مهماً منها؟ عقليتهم عصرية وانتماؤهم للوطن لا للطائفة. هم براء من هذه السلطة الفاسدة. إنّهم يستحقون فرصة التغيير أكثر ممن استفاد منها لمكاسب شخصية أو لم يستفد أو أعاد انتخاب الطبقة عينها طوال عقود! من هنا أحقية مطلب خفض سن الاقتراع ليشمل من تراوح أعمارهم ما بين الـ18 والـ21 عاماً.

27 آذار 2022 موعد عملية لمريض يدعى “لبنان”، وهو بحاجة ماسّة إلى دم من فئة “مواطنة”. فأيها الشباب، كثّفوا حملات التبرع وأعيدوا ضخّ المواطنة الحقيقية في عروق وطنكم.

إشترك بالقائمة البريدية

شارك المقال