العدالة… سنوات طويلة من التغييب!

حسين زياد منصور

“أم الشرائع”، هذا ما عرفت به العاصمة اللبنانية بيروت منذ العهد الروماني، نسبة لأكبر معهد قانون بُني فيها خلال عهد الإمبراطورية الرومانية.

واليوم مع كل هذا التقدم والتطور والاجتهادات والانتشار الواسع للمبادئ والحريات والمساواة إلا أن العدالة في لبنان تراجعت ملايين السنوات الى الوراء بسبب التجاوزات والممارسات السياسية الخاطئة والخانقة تجاه القضاء، منذ الحرب الأهلية حتى الأحداث العنيفة التي نمرّ بها الآن.

وفي ظلّ مطالبات اللبنانيين بمحاسبة المسؤولين عن جرائم الحرب الأهلية، لما خلّفته من تدمير وقتلى ومختطفين لا يعرف ذووهم أي شيء عنهم منذ أكثر من 30 عاماً، فضلاً عن اغتيال رؤساء وزعماء وسياسيين بارزين، من دون الوصول إلى نتيجة واضحة وصريحة، مثل الرئيس الشهيد رفيق الحريري والمناضل جورج حاوي… وحالياً المطالبة بمحاسبة المسؤولين عن الأزمات الكارثية في القطاع المالي والمتسببين بانفجار الرابع من آب 2020 الذي خلّف شهداء وجرحى ودمر أجزاء من العاصمة.

أصبحت الثقة بالقضاء شبه معدومة بسبب غياب العدالة وتسلط السياسة عليها، فأصبح المواطن يطلب المساعدة في قضاياه مباشرة من السياسيين، فهم يعرفون إن أراد القضاة مناصب عليا، فلا بد من أن يكونوا موالين لزعيم سياسي، أو تكليف محام يضغط على القضاة بما لديه من معارف سياسية.

وبعد كارثة مرفأ بيروت، تلقى أهالي الشهداء والمتضررين وعوداً بمحاسبة المسؤولين عن تخزين نيترات الأمونيوم والمتسببين بالانفجار. وعلى الرغم من تعهد الدولة تقديم الجناة إلى العدالة في بضعة أيام إلا أن الكثيرين توقعوا عكس ذلك.

ولعب رجال السياسة دورهم، فتدخلوا بعمل القضاء وعرقلوا سير التحقيقات وأوقفوها إثر اتهام المحقق العدلي القاضي فادي صوان العديد من السياسيين البارزين وعملوا على استبداله. والمشهد عينه يتكرر اليوم مع القاضي طارق البيطار، بغض النظر إن كان التحقيق مسيّساً أم لا.

 

ويقول المحامي خضر رشيد سيف الدين لـ “لبنان الكبير”: “ان الحل الوحيد هو في استقلال السلطة القضائية، وتحرير التشكيلات القضائية من يد السياسيين كي لا يتمكنوا من وضع رجالهم في المواقع الرئيسية، بحيث يصبح مجلس القضاء الأعلى هو من يعين القضاة من دون وصاية وزارة العدل وهذا ما نادى به نقيب المحامين ملحم خلف اثناء إضراب المحامين. القضاء ليس مسيساً بل يخضع البعض لضغط سياسي، لا يوجد فساد داخل السلك القضائي لان معظمهم من النزيهين والاكفياء. ونحن اليوم بضمانة مجتمعنا نرفع مشروع إقرار استقلالية السلطة القضائية”.

ويضيف: “أما بالنسبة إلى تحقيقات انفجار مرفأ بيروت، فقد عُزل القاضي صوان بطريقة بشعة بحجة الارتياب المشروع وانه أحد المتضررين من الانفجار. وما يجري اليوم، هو هجمة شرسة يشنها السياسيون على القاضي بيطار بسبب استدعائه شخصيات كبيرة. إن مجلس القضاء أمام معركة مفصلية بين استقلاليته والرضوخ للسياسيين، فتنحية القاضي بيطار ستضرب صدقية القضاء وأي محقق آخر سيتولى المهمة”.

وتقول إحدى الصحافيات: “مطلوب قضاة تحقيق مطابقون لمواصفات السلطة. ببساطة القضاء متلوّن بالسياسة… يحكم لصالح السلطة، المتهم يختار قاضيه وإن لم يعجبه يخرب البلد ويظل يغير القاضي كي يحصل على واحد مطابق للمواصفات السلطوية ويقوم بما يطلبونه منه”.

واليوم في ظل غياب الثقة بالعدالة اللبنانية، الى متى سيبقى الاغتيال السياسي وسيلة للحكم وفرض سياسات معينة وإسكات المعارضين بالقوة؟ والى متى ستبقى العدالة رهينة الباطل؟

وهل سنحتاج يوماً إلى أبطال خارقين لتحقيق العدالة؟!

شارك المقال