لبنان بين حلم العدالة وكابوس الاحتلال!

يارا المصري

تمكنت الكتب من التوصل إلى مفاهيم وتعريفات واضحة للأنظمة الديكتاتورية والديموقراطية، بحيث تتسم الأولى بجوٍّ من القمع والستبداد وقتل الأحرار والمثقفين خوفاً من انقلابهم على الحكم، بينما تُعرف الأخيرة بحرية التعبير والمساواة والعدالة وحقوق الإنسان. لكن هل من مفهوم يعرّف الديموقراطية المزيفة؟ إنها ببساطة نظام استبدادي بقناع الديموقراطية، ولبنان هو مثال واضح على هذا النوع من الأنظمة.

هو بلد ولد من رحم احتلال، ليكتب مصيره أن يرافق الاحتلال كل حقبة من حقبات تاريخه. هو بلد الديموقراطية التي تستبدّ بها دولة احتلال وحرية يقمعها الاحتلال، وأحرار ومثقفون تكتم أصواتهم ميليشيات تقودها دولة الاحتلال، وعدالة غائبة في ظل قضاء تسيّسه طبقة حاكمة مرجعيتها دولة الاحتلال.

وكان لكل احتلال شهداء، بقيت ظروف اغتيالهم غامضة قضائياً ولم يصل فيها أي تحقيق إلى حقيقة واضحة. اليوم، وبعد مئة عام على تأسيسه، اغتيل شعبٌ بأكمله بعد تفجير العاصمة. منذ تلك اللحظة كان واضحاً أنّ مصير هذه الجريمة هو ببساطة طمس الحقيقة كسابقاتها من الجرائم، لأن العدالة في لبنان تدفن كل مرّة مع كل شهيد.

إنّ تاريخ لبنان حافل بالاغتيالات لشخصيات وفاعليات كانت في كل حقبة تشكل خطراً على دولة الاحتلال. وكانت ثورة الأرز من أبرز الأحداث التي تبعتها سلسلة من الاغتيالات ما زالت ظروفها غامضة حتى اليوم. وقد أُشعلت تلك الانتفاضة التاريخية على خلفية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، الذي استهدفه انفجار راح ضحيته 19 شخصاً، ليلجأ بعدها إلى تحقيق دولي استمرّ 15 عاماً لينتهي بحقيقة غير كاملة، والمجرم ما زال حتى اليوم حرّاً طليقاً. وكان هذا الاغتيال نقطة تحول في تاريخ لبنان، نظراً لكونه أنهى الاحتلال السوري الذي استمرّ 29 عاماً ليسلّم الشعلة بعدها إلى الاحتلال الإيراني.

ولم تسلم الصحافة اللبنانية من سلسلة اغتيالات ثورة الأرز إذ خسر لبنان أصحاب الكلمة الحرة مثل جبران تويني وسمير قصير، واستُهدفت الصحافية مي شدياق في انفجار نجت منه بأعجوبة. كما خسر لبنان شخصيات من السلك العسكري والأمني باغتيال اللواء وسام الحسن عام 2012 الجريمة التي شبّهها اللبنانيون إلى حد كبير بجريمة اغتيال الحريري. ولم يمضِ وقت طويل على اغتيال الناشط السياسي لقمان سليم وما سبقه من اغتيال العقيد منير أبو رجيلي، والمصور جو بجاني، إلا أنها كلها جرائم أغلقت ملفاتها واختفت عن الساحة.

بعدَ اغتيال الحريري، كرّت سبحة الاغتيالات في لبنان من دون أن يتمكن القضاء اللبناني من التوصل إلى أي حقيقة نهائية بخصوص الفاعل، إلّا أن الحقيقة يعلمها اللبنانيون، فالقاتل هو نفسه الذي يحكم لبنان بقوة السلاح والذي يحاول إرهاب اللبنانيين بقدرته على قتل من يريد متى يشاء من دون أن يتجرأ القضاء إلى التوصل لأي حقيقة… هو نفسه الذي يلصق صفة العمالة بالضحايا، نظراً إلى مساعيهم للتخلص من احتلاله الخبيث، وتحرير لبنان من بطشه وتسلّطه… هو نفسه الذي فجّر بيروت وقتل أبرياء وما زال حتى اليوم يسعى بكل ما يمتلك من قوة وبطش لعرقلة التحقيق وتهديد القضاة الأحرار الساعين لكشف الحقيقة. المجرم واحد ينتصر دائماً على العدالة!

اليوم وبعد سنة على انفجار مرفأ بيروت، ما زالت الحقيقة مجهولة والمجرم يحاول بكل ما لديه من قوة، استخدام لغة التهديد والفتنة لترهيب القضاة والمواطنين. إلا أنه أصبح من الواضح أن الحقيقة دفنها المجرم في العنبر الرقم 12، وسوف يسعى إلى دفن كل من يمتلك أي خيط يوصل للحقيقة.

نتساءل عن العدالة في لبنان؟ لبنان بلد اللاعدالة، ولا عدالة في ظل وجود محتلّ، ولا حرية تعبير ما دامت تحكمه ميليشيا بقوة البطش والقمع وكمّ الأفواه. ففي لبنان كل صحافي حر أو قاضٍ حر إو حتى مواطن حر، هو مشروع شهيد لا بل شهيد حي. أما الديموقراطية التي ذكرها الدستور، فلا بد من إعادة النظر بها، فكيف لبلد محتل أن ينعم بديموقراطية صحيحة، في ظل كمّ الأفواه وقمع الحريات والترهيب بالسلاح. ليبقى لبنان عالقاً بين حلم العدالة الغائبة وكابوس الاحتلال الخبيث!

شارك المقال