الانتخابات بين آمال الشعب وضغوط السلطة

يارا المصري

فوضى عارمة تسيطر على المشهد السياسي اللبناني اليوم، وأشهر قليلة تفصل اللبنانيين عن الانتخابات النيابية، الحدث الذي ينتظره الجميع بفارغ الصبر لمعرفة ما إن كان هناك أي تغيير بموقف الشعب تجاه السلطة الحاكمة. فبعد كل ما شهده لبنان في السنوات الأخيرة من كوارث وانهيارات على الأصعدة كافة، تأتي تلك الانتخابات لتكون بمثابة فرصة للشعب الثائر على السلطة لتغيير الواقع الحالي. إلّا أن ما شهده لبنان في الفترة الأخيرة من أحداث دامية ولا سيما ما حصل في الطيونة وما تبعها من تداعيات، يُعيد إلى ذاكرة اللبنانيين مشاهد أشبه بالحرب الأهلية، الأمر الذي لا يبشر خيراً بما هو آتٍ.

أما مجلس النواب، فيمضي أشهره الأخيرة في حال من الصراعات والنزاعات بين أعضائه، بين من هم راغبون في تعديل بعض بنود القانون الإنتخابي من جهة والمعارضين لتلك التعديلات من جهة أخرى. وهذا دليل على ان كل طرف من الأطراف السياسيين المتصارعين يحاول الاستفادة من أي تعديل يعود لمصلحتها الشخصية والسعي للطعن بأي تعديل يهدّد مصلحتها في الانتخابات المقبلة.

ووسط ذلك المشهد الفوضوي، وحال التخبط التي تمر بها الطبقة الحالية بين من يحاول شد العصب الطائفي أو إثارة الفتنة والكراهية من جهة وآخر يحاول إعتماد البروباغندا السياسية لتغيير آراء الشعب عموماً، وجيل الشباب خصوصاً، لا سيما بعدما تراجعت نسبة التأييد الشبابي للطبقة الحاكمة من جهة ثانية، تدخل الحكومة الجديدة في حال موت سريري بعدما انعكس الجو السياسي المشحون على الوضع داخلها، وتطغى الصراعات السياسية على الواقع الاقتصادي المزري الذي ما زال على حاله من دون أي تغيير أو محاولة تغيير تذكر. فتلك الحكومة التي كان من المفترض أن تكون حكومة إنقاذ اقتصادي واجتماعي، لم تستطع إنقاذ نفسها من العواصف السياسية التي تهبّ وسط جو يبشر بحرب أهلية باردة آتية بين الأطراف المتصارعين.

لذا يمكن الاستنتاج أن كل ما يحدث اليوم ما هو إلا حملات إنتخابية من نوع آخر تعتمدها الطبقة الحاكمة بعدما أصبحت على شفير الإنهيار سياسياً اثر كل ما شهده لبنان من أحداث هددت استمرارها. أما اللبناني فهو المتضرر الوحيد مما يحصل، فيحاول بما تبقى لديه من طاقة انتشال نفسه وعائلته من العواصف الإقتصادية التي ولّدت ارتفاعا جنونياً بالأسعار، مع انخفاض الأجور والرواتب نتيجة انهيار العملة.

في المقابل، الشباب يحاولون التمسك بما تبقى من أمل للتغيير، فما زالت مواقفهم غير واضحة بما يخص الانتخابات فمنهم من يؤمن بأنها سوف تحقق تغييرا إيجابيا لمصلحة الشعب، ومنهم ما زال متمسكاً بالأحزاب القديمة ويعول عليها لتحقيق إصلاح اجتماعي واقتصادي.

فما هي أبرز مواقف الشباب من الإنتخابات المقبلة؟ طرحنا هذا السؤال على مجموعة صغيرة من طلاب الجامعات لمعرفة مواقفهم مما يحصل. فأجاب عمر (20 سنة): “لقد اعتدنا في الفترة الأخيرة ولا سيما بعد انتفاضة 17 تشرين على خطابات البعض التي تنادي بالتغيير والتخلص من الطبقة السياسية الحاكمة، لكن تلك الخطابات ستظل حبراً على ورق إن لم ينتفض الشعب أمام صناديق الاقتراع! إن الانتخابات المقبلة ما هي إلا فرصة من ذهب أمام اللبنانيين وأنا لدي أمل بأنها سوف تحقق تغييرا ولو بسيطا”.

من جهتها، رنا (23 سنة) اعتبرت أن “الإنتخابات المقبلة ستكون نسخة عن تلك السابقة لأن اللبناني معروف بفقدان الذاكرة عند كل استحقاق، فصندوق إعاشة أو مبلغ من المال كفيل بتغيير موقفه وإعادة انتخاب نواب الطبقة الحاكمة”.

وتعتبر جنى (22 سنة) أن “الانتصارات التي حققتها الثورة في بعض النقابات ولا سيما في نقابة المهندسين، وفي بعض كليات الجامعة اللبنانية والجامعات الأخرى، ما هي إلّا دليل على تغيّر المزاج الشعبي من الطبقة الحاكمة، وخطوة إيجابية تبشر بالخير بقدرة الإنتخابات على تحقيق التغيير”. وتضيف: “الانتخابات المقبلة لا تشبه أي انتخابات سابقة، فيجب أن لا ننسى أحداث السنوات الأخيرة بدءاً من ثورة 17 تشرين وما تبعها من انفجار مرفأ بيروت والانهيار الإقتصادي لا بد أن تكون قد أحدثت تغييراً في الموقف الشعبي تجاه الطبقة الفاشلة، لذا فالإنتخابات سوف تغيّر الكثير!”.

تكثر الآراء والتحليلات والمواقف تجاه الإنتخابات المقبلة، إلّا أن القرار يبقى بيد الشعب. اليوم وبعد كل ما حصل لا شيء قد يبرر الخيار الخطأ لأحد. الإنتخابات هي الفرصة الأخيرة إما استغلالها وإنقاذ لبنان من بطش الطبقة الحاكمة، أو إضاعتها الأمر الذي قد يساعد الطبقة الحاكمة على الاستقواء على الشعب والسيطرة على لبنان مجدداً.

شارك المقال