أُدلوا بغضبكم في صناديق الاقتراع!

سامي كميل طانيوس

الانتخابات النيابية المبكرة، عنوان طرح أولاً في الشارع عقب الانتفاضة الشعبية للمطالبة بإعادة تكوين السلطة. تبنت لاحقاً بعض القوى السياسية، ولا سيما المعارضة منها، هذا الطرح واعتبرته المخرج الوحيد والمحتّم للأزمات المتوالية التي تعصف بلبنان. ثم علت الأصوات المطالبة به بعد انفجار مرفأ بيروت مع الاستقالات النيابية المتوالية، وكان لافتاً إدراج الانتخابات المبكرة كبند من بنود المبادرة الفرنسية التي طرحها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على طاولة قصر الصنوبر.

لم تكن قوى السلطة متحمّسة لهذا الطرح. فقد سجّل رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد أمام الرئيس ماكرون اعتراض “حزب الله” على بند الانتخابات النيابية المبكرة. كما أعلن الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصرالله مراراً رفضه لإجرائها معتبراً إياها “مضيعة للوقت”، فيما لم يبادر أي حزب من أحزاب الموالاة إلى تحريك الملف وإبداء موقف صريح بشأنه خارج النكايات السياسية الضيقة.

ليس من المستغرب أن يخشى رجال السياسة من انتخابات طالب ويطالب بها الشعب. فقد تراجع رصيد أحزابهم بشكل ملحوظ منذ تفلت الأوضاع سياسياً واقتصادياً ومعيشياً، وفشلوا بعيون جمهورهم ومناطقهم في تحقيق المشاريع التي وضعوها على برامجهم الانتخابية. وبالتالي، أصبحت قوى الموالاة محرجة أمام ناخبيها، إذ إنها لم تستطع لجم كرة الانهيار، بل تسبب سلوكها بافتعال أزمات إضافية، على الرغم من أنها تمسك بالقرار من خلال استيلائها على الرئاسات الثلاث وامتلاكها أغلبية مجلسي النواب والوزراء وسيطرتها فعلياً على مؤسسات الدولة وأجهزتها.

في كلّ الدول، يُحاسب الشعب المسؤولين على ما فعلوه خلال ولايتهم من طريق الانتخابات، ويقرر إعادة انتخابهم من عدمها. أمّا في لبنان فـ”يرقّع” الخطاب الطائفي إخفاقات المسؤولين وفسادهم. فبعد أن فشلت الأحزاب التي تسيطر على القرار الوطني وأخفقت في إدارة الدولة، لم تعد لديها سوى شدّ العصب الطائفي والمناطقي لكسب الناخبين في لعبة تقليدية: ابتكار مؤامرات كونية دونكيشوتية على الطائفة ومن ثم إبراز نفسها على أنها الضامن للحقوق والصلاحيات وحتى الأمن!

لم تعد هذه اللعبة الطائفية البغيضة خافية على أحد. إذ أوهمت الأحزاب جماهيرها بأنها الحامي الوحيد لها، إلا أنها كشفت حقيقة ألاعيبها مع انفجار الأوضاع المعيشية التي طالت المسلم كما المسيحي، ومواطني بيروت كما مواطني بعلبك والشوف وطرابلس. فالشعب لمس حقاً أنه ليس بحاجة إلى زعيم يضمن له حقوق الطائفة بل إلى دولة حقيقية تخدمه وتقدره وتؤمن له حقوقه وتحفظ أمنه وسلامته وتضمن له كرامته.

من المؤكد أن شبه الدولة التي نعيش فيها هي في أساس جنهم التي نعيشها، ومن المؤكد أيضاً أن من أنزل لبنان إلى قعر جهنم لن يخرجه منها. لا خلاص إذاً على يد السلطة عينها التي افتعلت الأزمات. هذه السلطة تتمثل في المجلس النيابي الذي ينتخب رئيس الجمهورية ويسمي رئيس الحكومة ويمنح الثقة للوزراء ويقر القوانين ويوافق على الموازنات… من هنا أهمية الاستحقاق الانتخابي، فهو يشكل الفرصة الوحيدة لخلاص لبنان من خلال إعادة تكوين السلطة وإتاحة الفرصة أمام وجوه جديدة من خلفيات لامعة للوصول إلى ساحة النجمة.

كلّ مواطن مطالب بأن يشارك في صناعة القرار واختيار ممثلين عنه. وللجيل الصاعد دور ريادي في الانتخابات المقبلة، فهو الذي أحدث ثورة في الشوارع كما في العقول. جيل الشباب الذي يبحث اليوم عن مستقبل راقٍ بحاجة إلى دولة فعلية تحترمه، تؤمن له حقوقه وتتسع على قدر طموحاته وأحلامه وهو بالتالي يتطلع إلى استحقاق 27 آذار 2022 كبادرة أمل وخشبة خلاص للوطن.

فرصة التغيير آتية، والمعركة الانتخابية تشتد ويشتد معها الخطاب الطائفي والمذهبي. فأيها اللبنانيون، لا تنجرّوا إلى لعبة السلطة القذرة. تذكروا يوم الانتخابات ما عانيتم وتعانون من أزمات، تذكروا انقطاع الكهرباء وفقدان المحروقات، تذكروا غلاء الأسعار وغياب الرعاية الصحية، تذكروا التفلت الأمني، تذكروا انفجار المرفأ، تذكروا أن كل شيء ثمين في لبنان إلا الإنسان. تذكروا كل مصائبكم، وأدلوا بغضبكم هذا في صناديق الاقتراع!

شارك المقال