علاقتنا بالدول العربية أقوى من عهد!

جاد فياض
جاد فياض

أزمة ديبلوماسية حادة نشبت بين لبنان ودول الخليج العربي، وبشكل خاص المملكة العربية السعودية. أزمة وُصفت بالـ”تاريخية”، إذ لم تصل العلاقة بين الطرفين من قبل إلى نقطة اللاعودة، كما حصل قبل أيام مع ترحيل السفير اللبناني من الرياض واستدعاء السفير السعودي من بيروت، ووقف الاستيراد من لبنان، والتحاق دول عربية أخرى بركب السعودية.

واهم من يعتقد أن تصريحات وزير الاعلام جورج قرداحي الأخيرة حول حرب اليمن هي السبب، فالعلاقة بين لبنان والسعودية أقوى وأعمق من أن تقطعها مواقف شخصيات ثانوية في السياسة اللبنانية. إلّا أن تاريخ الأزمة يعود إلى ما بعد وصول ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية، إذ اعتبرت السعودية حينها أن تلك الخطوة كانت بمثابة تسليم البلاد لحزب الله، وابتعاد لبنان عن مساره الطبيعي إلى جانب الدول العربية والخليجية. ومنذ ذلك الحين تراكمت الأزمات.

وبمعزل عن تفصيل الأسباب، فان العلاقة بين لبنان ودول الخليج محورية وأساسية، ولها بعدان، الأول سياسي، والثاني إقتصادي. على الصعيد الاقتصادي، فإن الخليج العربي، وبشكل خاص السعودية والامارات، يُعد رئة لبنان الاقتصادية، إذ يصدّر الأخير بقيمة مئات الملايين من الدولارات سنوياً إلى هذه الدول، فيستفيد الاقتصاد المحلي من دخول العملات الأجنبية. كما يأتي الخليج في المرتبة الثالثة لجهة قيمة تحويلات المغتربين إلى لبنان. ولا تقف العلاقة الاقتصادية بين الطرفين عند هذه الحدود، بل إن الخليج كان ممولاً مهما في عملية اعادة الإعمار بعد الحرب الأهلية، وحرب تموز 2006، من دون أن ننسى مردود سياحة الخليجيين في لبنان سابقاً.

أما على الصعيد السياسي، فان العالم العربي والخليجي هو عمق لبنان. الاقتصاد يلعب دوراً مهماً في هذا السياق، إذ أن العلاقة بين السياسة والاقتصاد عضوية، إلّا أن الديبلوماسية العربية، بعيداً عن المصالح الاقتصادية الآنية، كانت أيضاً أساسية. وفي هذا الاطار، يُذكر وقوف دول الخليج، وبشكل خاص السعودية، على خطوط المبادرات السياسية والديبلوماسية لانتشال لبنان من أزماته الكثيرة، من مؤتمر الرياض بعد اندلاع الحرب الأهلية، مروراً بمساعي الملك فهد بن عبد العزيز عبر الرئيس الشهيد رفيق الحريري لوقف الحرب المذكورة، واتفاق الطائف، وغيرها من التحركات الديبلوماسية والسياسية المهمة في تاريخ لبنان.

قطع العلاقات سيزيد من عمق الأزمات التي يختبرها لبنان. اقتصادياً، إن توقف حركة التصدير نحو السعودية سيحرم لبنان من دخول العملات الصعبة إلى اقتصاده، في وقت هو بأمس الحاجة إلى هذه العملات. كما أن الشركات والمصانع ستتأثر بدورها نتيجة تراجع انتاجها، وقد تضطر إلى تخفيض الرواتب أو صرف العمال، مما سيعني ارتفاعاً في ارقام البطالة وانهياراً إضافياً لجهة مقومات عيش اللبنانيين.

على الصعيد السياسي، ابتعاد لبنان عن الدول العربية والخليجية واقترابه أكثر من دول المحور الايراني سيزيد من حدّة العزلة السياسية والاقتصادية التي تختبرها البلاد، وسيعني ابتعاد لبنان عن المنظومة الدولية، وبالتالي فقدان لبنان لبعده الحيوي، ودخوله في أنفاق العزلة والعقوبات، في حين إنه بأشد الحاجة لاستعادة علاقاته ودوره الذي منحه اياه موقعه الجغرافي كصلة وصل بين الشرق والغرب.

خروج لبنان من المستنقع الذي وقع فيه منذ سنتين يستدعي المساعدة الخارجية، وقد تواصلت السلطات مع صندوق النقد الدولي بهذا الهدف، وهو غير قادر على النهوض مالياً إلّا عبر الدعم الخارجي. كما أن منطقة الشرق الأوسط بأكملها تتجه نحو تفاهمات وتسويات بعد عقودٍ من الصراعات والحروب. من هنا يجب فهم أهمية مدّ الجسور مع مختلف الدول، وفي طليعتها الدول الخليجية التي وقفت إلى جانب لبنان منذ نشأته. واستعادة العلاقات لا تتم عبر اجراءات موضعية أو روتينية، بل إن ذلك يحتاج إلى مقاربة جديدة لسياسات لبنان الخارجية، وعودة لمفهوم السيادة.

شارك المقال