لبنان بين الحضن العربي والتوسع الإيراني

يارا المصري

يعود تاريخ العلاقات اللبنانية الخليجية إلى ما قبل الاستقلال، إذ كانت المملكة بمنزلة الأم الحنون أو المنقذ الدائم للبنان عند كل عقبة سياسية أو اقتصادية يمر بها. فقد رعت تلك الدولة أهم المؤتمرات والاتفاقيات في تاريخ لبنان، ولا سيما اتفاق الطائف الذي أنهى حرباً أهلية طاحنة استمرت 15 عاماً، هذا إضافة إلى كونها الدولة الأكثر استقطاباً للشباب اللبناني نظراً لفرص العمل والمنح التي توفرها. ومع تسلم الرئيس الشهيد رفيق الحريري رئاسة الحكومة، توثقت العلاقات مع المملكة، وتدفقت الاستثمارات والمشاريع ونشطت الحركة السياحية، وأصبحت تلك الفترة أي ما بين 1989 و2005 الفترة الذهبية للبنان، نظرا لما شهده من ازدهار ونمو، أعاد الأمل بالحياة للبنانيين بعد حرب طاحنة تركت آثارا كارثية على كافة القطاعات.

إلّا أنه وبعد اغتيال الحريري، وما تبعها من أحداث سياسية، تزعزعت العلاقة بين الدولتين إثر مطبات خلقت شرخاً بينهما. وزاد الوضع سوءاً أزمة 2017 بعدما أقدم الرئيس سعد الحريري على الاستقالة من منصبه في بيان تلفزيوني مبرراً تلك الخطوة بمخاوف من اغتيال وسيطرة “حزب الله” وإيران على المنطقة. وبعد ذلك شهدت العلاقة بين لبنان والمملكة فتوراً نظرا لهيمنة ميليشيا “حزب الله” على القرار السياسي اللبناني. وتفجر الوضع بعد شحنات المخدرات القادمة من لبنان التي تم تصديرها إلى المملكة، وكثرت التصريحات المعادية للمملكة كان أبرزها تصريح وزير الخارجية السابق شربل وهبة، وأتى أخيراً تصريح وزير الإعلام في الحكومة الجديدة جورج قرداحي، وتشبثه بالبقاء لأسباب تعود لأسياده الذين يحاولون عزل لبنان عن محيطه العربي والدولي وجره إلى محور آخر، محور الحروب والميليشيات المسلحة، لتكون تلك الخطوة بمثابة الشعرة التي قسمت ظهر البعير.

يتجاوز عدد اللبنانيين في السعودية الـ300 ألف لبناني، وهي تعتبر أكبر جالية عربية مستثمرة في المملكة، وقد كان للمملكة فضل كبير في دعم وتمويل الخزينة اللبنانية عند كل أزمة، أما اليوم وعلى الرغم من كل ما يمر به لبنان من انهيار إقتصادي واجتماعي هو الأسوأ في تاريخه، يغيب دور المملكة كلياً، وزاد الوضع سوءا قرارها الأخير بوقف الإستيراد من لبنان خطوة لاقت تأييداً من دول مجلس التعاون الخليجي.

وتبعاً لتلك الأحداث تتخوف الجالية اللبنانية في الخليج من أي قرار قد يهدد وضعها المعيشي أو المهني، فبعد الخطوات الأخيرة التي اتبعتها بعض الدول باستبعاد سفراء لبنان وسحب سفرائها من لبنان، كانت بمثابة مؤشرات الى قطع العلاقات الديبلوماسية كليا بين لبنان والخليج، الامر الذي قد ينعكس على اللبنانيين العاملين في تلك الدول.

ويقول ماهر الشاب اللبناني الذي يعمل في السعودية: “لطالما كانت السعودية بلدنا الثاني، لقد انتقلت إلى هنا منذ 2015 لكن وضعنا اليوم تغير كثيرا عما كان من قبل. فسابقاً كان للبنانيين مكانة مهمة في الخليج إن من حيث الراتب أو المركز لكن اليوم ومع تأزم الوضع الإقتصادي وانهيار قيمة العملة في لبنان، انعكس ذلك سلباً على الراتب والمركز الوظيفي للشاب اللبناني في الخليج”.

وتعليقاً على تصريحات الساسة اللبنانيين المعادية لدول الخليج، يضيف ماهر: “على الرغم من كل ما فعلوه بالبلد وانعكاسه على حال الشباب اللبناني، لم يكتف الساسة اللبنانيون بتدميرنا. وبسبب تصريحاتهم التي لا تحمل إلا حقداً وجهلاً وغباءً، تمكنوا من عزل لبنان عن محيطه وتهديد الوضع المعيشي للشباب في المهجر، نتخوف اليوم من أي إجراء قد تتخذه المملكة ردا على تصريحات ذلك الوزير، من شأنه أن يهدد وظائفنا. فنحن اخترنا الهجرة للهرب من الجو السياسي اللبناني المشحون بالأحقاد والكراهية، فليتركونا وشأننا في غربتنا”!

انطلاقاً من هنا، على المملكة أن تعي جيدا أن تصريحات وزراء محور الممانعة، لا تمثل إلا أنفسهم وأتباعهم. لا يمكن فصل لبنان عن محيطه العربي وبالأخص عن دول الخليج الشقيقة التي رافقت لبنان في كل أزماته التاريخية. لبنان اليوم بأمس الحاجة لدعم عربي ودولي لمواجهة الإحتلال الإيراني الخبيث الذي يحكم لبنان بقوة البطش والسلاح والتسلط، لأن تخلي تلك الدول عن لبنان يضعه حتماً بموقف الضعيف المستسلم لسياسة التوسع الإيراني في المنطقة.

شارك المقال