الحلول المطلوبة لمعالجة “العاصفة الديبلوماسية”

جاد فياض
جاد فياض

حين شكّلت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، أُطلق عليها تسمية “حكومة الصندوقَين”، في إشارة إلى صندوق النقد الدولي، وصندوق الانتخابات. حملت الحكومة عنوانَين أساسيَين للعمل عليهما في الفترة القصيرة من عمرها، الأول كان بدء المحادثات مع صندوق النقد الدولي من أجل الوصول إلى مرحلة المفاوضات والاتفاق على برنامج إصلاحي، أما الثاني فهو تنظيم الانتخابات النيابية في موعدها.

وبغض النظر عن البيان الوزاري “البروتوكولي”، لم تُكثر الحكومة من العناوين لمعرفتها بأنها ستكون حكومة تصريف أعمال بعد تسعة أشهر، أي بعد إجراء الانتخابات النيابية. إلّا أن عمر مجلس الوزراء قد يكون أقصر من المتوقع، علماً أن قدرته على تنفيذ المهمتَين تتراجع يوماً بعد يوم. فقد دخلت الحكومة في حال موت سريري بعد أحداث الطيونة على خلفية النزاع القضائي المتعلّق بتحقيقات انفجار مرفأ بيروت، وباتت بحكم “حكومة تصريف الأعمال” حتى إشعارٍ آخر.

مع بدء العاصفة الديبلوماسية التي أخذت تشتد، انتظر اللبنانيون عقد الحكومة جلسات سريعة ومتوالية من أجل البحث عن الحلول اللازمة لتدارك الأزمة الأكثر تعقيداً بين لبنان والخليج، إلّا أن ما حدث كان العكس، وفي ميزان أهل الحكم، كان الخيار استمرار شلل عمل الحكومة اعتراضاً على المسار القضائي لتحقيقات انفجار بيروت بدلاً من الفصل بين السلطات والملفات وإطلاق يد مجلس الوزراء لحل الأزمة الديبلوماسية.

وبالنسبة إلى الحلول، فإنها بطبيعة الحال تنطلق من أسباب المشكلة. أزمة المملكة العربية السعودية، وإلى جانبها الخليج العربي، مع لبنان، تتعدى تصريح وزير الاعلام جورج قرداحي، وبالتالي ربط الحل باستقالة الأخير أمرٌ غير مجدٍ. وتتلخص الأزمة بثلاثة ملفات أساسية، الأول مرتبط بسيادة الدولة اللبنانية وحصرية امتلاكها للقرارات، خصوصاً المتعلقة بالسياسات الخارجية. الثاني مرتبط بمشاركة “حزب الله” في حرب اليمن وتهديده الأمن القومي الخليجي. أما الثالث، فهو يتعلّق بتهريب المخدرات من لبنان إلى دول الخليج بهدف ضرب فئة الشباب.

قبل أن تسوء العلاقة بين الطرفين، وجّهت السعودية رسائل عديدة ومناشدات للسلطات اللبنانية لإصلاح المسار تفادياً لما حصل في الفترة الأخيرة، وكان آخر التحذيرات الطلب من لبنان ضبط حدوده ومنافذه لمنع تهريب المخدرات بعد شحنة “الرمان” الشهيرة، ووقفها استيراد الفواكه والخضار من لبنان حتى التأكد من معالجة الأمر. إلّا ان السلطات اللبنانية حينها لم تتخذ إجراءات جذرية، واكتفت ببعض العراضات التي بُثت في الاعلام.

ولم تُظهر الحكومة اللبنانية السابقة أي جدّية في التعاطي مع ملف حساس كوقف تصدير المنتجات الزراعية إلى السعودية، فتفاقمت المشكلة أكثر. والحكومة الحالية أيضاً لم تثبت صدق نيّاتها لمعالجة الملف الآني، لأن تشكيل لجنة وزارية للبحث في الحلول كإجراء لا يرقى إلى عمق الأزمة وحجمها، وهي لم تستطع أساساً الوصول إلى نتائج ملموسة، فتوقف العمل بها وفرط عقدها.

ثلاثة حلول مطلوبة للمشكلات الثلاث مع الخليج، وحلان منهما بيد الحكومة، أما الثالث فهو مرتبط بحزب الله مباشرةً. الحل الأول يكن في استعادة مجلس الوزراء لقراره وسيادة الدولة ولو بالحد الأدنى، إذ إن موازين القوى على أرض الواقع تحول دون فرض الدولة لسيادتها بشكل كامل، ومن ثم الاتفاق على سياسة خارجية تنسج علاقات جيّدة مع العرب والخليج. الحل الثاني يقوم على ضبط السلطات اللبنانية للحدود والمنافذ بشكل كامل ومنع تهريب المخدرات من لبنان. أما الحل الثالث المرتبط بـ “حزب الله” وانسحابه من حرب اليمن، فالمسؤولية في هذا السياق تقع على الحزب الواجب عليه تحديد أولوياته ومصلحة شعبه واللبنانيين.

إذاً، الحل يكمن في اتخاذ السلطات اللبنانية قراراً سياسياً جدياً باصلاح العلاقة مع السعودية انطلاقاً من أسباب الأزمة عينها، والعودة إلى المسار الطبيعي للبنان، وهو المُلازم للخط العربي والخليجي. وإظهار النوايا الاصلاحية ضروري، وذلك كان ليتمثّل بإقالة قرداحي لو تم مع انطلاق الأزمة، وكأنه إشارة جدّية لتحمل الدولة لمسؤولياتها، إلّا أن الحكومة كانت غائبة عن المشهد بالكامل.

ويتخوّف اللبنانيون من اجراءات تصعيدية خليجية إضافية قد تزيد من عمق الأزمة ومن المسافة بين لبنان والخليج، وهو ما كانت قد حذّرت منه الدول الخليجية. المطلوب من الحكومة تحمّل مسؤولياتها والتحرّك بأسرع وقت، عبر عقد الاجتماعات والشروع بالخطوات المطلوبة لرأب الصدع وتقدير المصلحة الوطنية بعيداً من المصالح الفئوية التي تندثر مع غياب الفائدة العامة.

شارك المقال