الأزمة اللبنانية – العربية… بين الحلّ الداخلي والإقليمي

يارا المصري

بعد مرور شهرين على تشكيلها، غرقت حكومة ميقاتي في سلسلة من الأزمات السياسية الداخلية والخارجية وهي غير قادرة على إيجاد الحل المناسب للخروج منها، تلك الحكومة التي كان من المفترض أن تكون حكومة إنقاذ، بمشاريع جدية تُخرج لبنان من الضائقة الاقتصادية الخانقة وتعيد المياه إلى مجاريها مع المجتمعين العربي والدولي، بعد سنة من الفراغ الحكومي وما تبعه من أزمات ألقت بثقلها على كافة القطاعات. ففي بيانها الوزاري، أولت الحكومة الجديدة الأهمية للمفاوضات مع صندوق النقد الدولي للإسراع في تقديم القروض والمساعدات من جهة والتواصل مع العمق العربي والدولي من جهة أخرى. وبعد زيارته ماكرون، تفاءل ميقاتي خيراً بأن تكون تلك الزيارة انطلاقة جديدة لاستعادة العلاقات الدولية والعربية مع لبنان، آملاً أن يكون الرئيس الفرنسي جسر اتصال بين لبنان والسعودية لاستعادة الدعم العربي للبنان والحكومة الجديدة. لكن ما لم يكن في الحسبان هو أن يتم تسريب تصريح لأحد وزراء تلك الحكومة، لينسف كل مشاريع وطموحات الحكومة الجديدة ويخرب كل ما كان يخطَط له، لتضاف أزمة سياسية ديبلوماسية جديدة الى الأزمات الإقتصادية والإحتماعية، تاركة حكومة الإنقاذ عاجزة تستنجد لإنقاذها وانتشالها.

أزمات الحكومة بين الداخل والخارج

منذ تشكيلها، لم تكن تلك الحكومة على مستوى التحديات والأزمات التي تنتظرها، فبعد سنة من التعطيل، انتظر اللبنانيون حكومة تكنوقراط من الاختصاصيين المستقلّين، لتتمكن من مواجهة المقاطعة العربية والدولية للبنان واستعادة الرضى الدولي، ولتكون جاهزة للمفاوضات مع صندوق النقد الدولي. إلا أنها، وكالعادة، تشكلت بناءً على محاصصات طائفية حزبية كسابقاتها، حتى أبصرت النور بعد اتصال فرنسي – إيراني. وبعد فترة قليلة من ولادتها اصطدمت بعقد سياسية داخلية، كان أبرزها مقاطعة الثنائي الشيعي للجلسات الحكومية اعتراضاً على قرارات المحقق العدلي القاضي طارق البيطار الذي اتُهم بالاستنسابية وتسييس التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، الأمر الذي جعلها شبه حكومة تصريف أعمال لعدم قدرتها على الانعقاد نظراً لغياب الميثاقية. تبعتها أحداث الطيونة التي ولّدت جواً سياسياً مشحوناً أدخل البلاد بما يشبه الحرب الأهلية الباردة. وتبع هذا الجو السياسي المشحون تصريح قديم لوزير الإعلام جورج قرداحي ينتقد حرب اليمن ويعتبرها حرباً عبثية ويدافع فيها الحوثيون عن أنفسهم بحسب قوله، كلها أحداث تضافرت لتحدث انفجاراً في السياسة الداخلية والخارجية للبنان.

بناءً على ذلك، أصبحت حكومة ميقاتي اليوم أمام سلسلة معقدة من الضغوط تدفع الحكومة رويداً رويداً نحو العجز والاستقالة. فبعد تصريح القرداحي، انقسم الرأي العام إلى جزأين، جزء يهاجم القرداحي ويحضّه على الاستقالة لمحاولة إنقاذ ما تبقى من علاقة عربية مع لبنان، وقسم آخر يستمر بمهاجمة العرب وإلقاء اللوم عليهم مدافعين عن القرداحي ورافضين استقالته. مقابل ذلك دعا ميقاتي القرداحي لتحكيم ضميره ووطنيته والاستقالة، في حين ما زال الأخير متمسكاً بقراره بعدم الاستقالة. كل ذلك يضع الحكومة أمام احتمالين، إما استقالة قرداحي وبقاء الحكومة أو استقالة الحكومة بالكامل، مما يعني أنه خيار بين اثنين إما ميقاتي أو قرداحي. ففي حال لم يستقل قرداحي فهذه حتماً انتكاسة وفشل ذريع لحكومة ميقاتي التي أتت بهدف استعادة العلاقات اللبنانية – الخليجية، مما قد يدفع البلاد إلى المزيد من الكوارث على كافة الأصعدة.

لبنان أمام أزمة إقليمية

إنّ استعادة العلاقات اللبنانية الخليجية اليوم خطوة تخطت استقالة القرداحي. فاليوم، وبعد هيمنة “حزب الله” بالكامل على القرار السياسي اللبناني، لم يعد لبنان كما كان سابقاً بالنسبة إلى الخليج. مما يعني أن الأزمة مع الخليج اليوم تعود إلى تراكمات عززتها الهيمنة الإيرانية على القرار الداخلي، وما أنتجته من مسؤولين ساهموا بتصريحاتهم الهمجية بإهانة المملكة وزيادة الأزمة سوءاً. لذا، فإن تعامل دول الخليج اليوم مع لبنان أصبح مبنياً مباشرةً على العلاقة الخليجية – الإيرانية باعتبار لبنان جزءاً أو ولاية إيرانية، وفشل المحادثات الإيرانية – السعودية في التوصل إلى حل بين الدولتين، سوف ينعكس حتماً على العلاقة السعودية مع الدول التي تسيطر عليها إيران، وستكون تلك الدول من أكثر المتضررين من فشل تلك المحادثات.

انطلاقاً من هنا، فإن عودة لبنان إلى الحضن العربي والدولي اليوم أصبح خطوة أكثر تعقيداً باعتبار لبنان ورقة على طاولة المفاوضات في فيينا بين إيران من جهة والدول الغربية من جهة ثانية، وذلك لأن العلاقات بين تلك الدول ولبنان أصبحت إلى حد بعيد مرتبطة بعلاقة تلك الدول مع الذراع الإيرانية في لبنان، باعتبار لبنان دولة فاقدة كلياً للسيادة مع الهيمنة الإيرانية الكاملة على الشأن اللبناني.

حل الأزمة اللبنانية العربية

أتت حكومة ميقاتي متأخرة جداً عن إنقاذ العلاقات العربية اللبنانية، فالوضع خرج عن السيطرة، والأزمة اليوم أصبحت تتخطى تصريح وزير. أما إيران فهي في حال من عدم الاستقرار لأدواتها في الدول العربية، بدءا من العراق بعد الفشل الذريع في الإنتخابات الاخيرة، ثم في سوريا التي توشك على استعادة العلاقات مع العرب والعودة إلى الحضن العربي والتي أشير لها من خلال زيارة وزير الخارجية الإماراتي إلى دمشق، وفي لبنان بعد الأزمات الأخيرة أبرزها أحداث الطيونة.

ثمة احتمال آخر بأن تكون استقالة القرداحي بمثابة ورقة ابتزاز يحملها “حزب الله”، على أساس استقالة القرداحي مقابل تنحي القاضي بيطار. إلا انه وعلى الرغم من تعقد الأوضاع أمام الحكومة تبقى استقالة القرداحي ضرورة لا بد منها لإثبات استنكار لبنان لتصريحاته، وللبرهنة عن أن تصريحه هذا لا يمثل إلّا أمثاله في محور الممانعة، ولا يمثل الشعب اللبناني. أما الحل النهائي للأزمة اللبنانية الدولية والعربية فهو رهن المحادثات السعودية – الإيرانية من جهة، ومحادثات فيينا التي ستستأنف قريباً من جهة أخرى.

شارك المقال