حلم عون تحقق… فهل يتحقق حلم اللبنانيين؟

يارا المصري

سنة واحدة تفصلنا عن نهاية عهد الرئيس ميشال عون، الأصعب في تاريخ لبنان، لما شهده من أزمات وكوارث سياسية واقتصادية واجتماعية يصعب الخروج منها قبل عشرين سنة على الأقل. فقد كان هذا العهد حافلاً بالأحداث لدرجة أنه أصبح كل يوم منه مغامرة شاقة على المواطن اللبناني. اليوم، وبعد مرور خمس سنوات، نعود بالذاكرة إلى يوم 31 تشرين أول 2016، يوم ألقى ميشال عون قسم الرئاسة، فكان ذلك قسم تعويذة كتبت للبنان مصيراً سوداوياً جعله على قائمة أكثر الدول فشلاً وعزلةً.

إنه عهد وُلد من رحم التعطيل، فقد فرض ميشال عون نفسه رئيساً بعد نهاية ولاية الرئيس ميشال سليمان، وذلك بدعم من “حزب الله”. وتمكّن بعد تعطيل دام 29 شهراً من دخول قصر بعبدا إثر تسوية رئاسية بين الأفرقاء السياسيين الذين عارضوا ترشحه آنذاك. اليوم، وبعد مرور خمس سنوات من عهده، يمر لبنان بأسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه هذا إضافة إلى تأزم خطير في الوضع الأمني الداخلي، وتوتر العلاقات الديبلوماسية مع كل من المجتمعين العربي والدولي، وأصبح لبنان اليوم مسيطَراً عليه من الميليشيا عينها التي فرضت ميشال عون رئيساً، فانحرف لبنان نحو محور آخر لا يشبهه بعيداً كل البعد عن تاريخه المعروف بالثقافة المبنية على الانفتاح على العالم، ليتقوقع ضمن محور لا يعي إلا ثقافة الحروب والميليشيات.

حلم الرئاسة

منذ تعيينه قائداً للجيش عام 1984، لم يكن لميشال عون هدف آخر سوى دخول قصر بعبدا، وفعل المستحيل ليحقق ذلك، وقد تمكن عام 1988 من الدخول بعبدا رئيساً لحكومة انتقالية ما لبثت أن فقدت ميثاقيتها بعد استقالة الوزراء المسلمين منها، إلا أن ذلك لم يمنع عون من الاستمرار في منصبه على الرغم من مخالفة الدستور، وأصبح آنذاك للبنان حكومتان؛ أولاهما في بيروت الغربية برئاسة سليم الحص، والثانية برئاسته وفاقدة للشرعية في بيروت الشرقية، ليشنّ بعدها حربي التحرير 1989 والإلغاء 1990 ويخرج منهما مهزوماً إلى باريس.

وعند الحديث عن حلم ميشال عون، نتذكر مقالاً نشر في جريدة “النهار” بتاريخ 21 تشرين الثاني 2007 لكاتبه عبدالحميد الأحدب تحت عنوان “في الليلة الظلماء”، أشار فيه إلى أنه في عام 1999 وحين كان ميشال عون في منفاه في باريس طلب لقاء العميد ريمون إدة إلا أن الأخير أصر على رفض اللقاء مشيراً إلى أنّ “ميشال عون يطمح للوصول إلى الرئاسة والويل للبنان إن وصل!”. وها هو لبنان اليوم يعاني الويل بعد 5 سنوات من عهده.

وقد عارض ميشال عون اتفاق الطائف بشراسة، وفشلت كل محاولات ضمه إليه وبرز آنذاك شعاره الشهير “يستطيع العالم سحقي لكنه لن يأخذ توقيعي”، إذ اعتبر أن الطائف ينتقص من سيادة لبنان ويفسح في المجال للسوريين بالسيطرة التامة عليه، هذا إضافة إلى انتقاصه من صلاحيات الرئاسة الذي كانت السبب الرئيسي لمعارضته الشرسة.

انقلبت الموازين وناقض عون نفسه بعد عودته من باريس، فتحالف مع أعداء الأمس، بعد توقيعه لاتفاق مار مخايل عام 2006 مع “حزب الله” – الحليف الأقرب للنظام السوري – ومن ثم زيارته دمشق ولقاؤه رئيس النظام السوري عام 2008. وقد كان اتفاق مار مخايل المفتاح الذهبي الذي فتح الباب أمام عون لدخول بعبدا رئيساً على قاعدة “سلمني كرسي الرئاسة أسلمك البلد بالمقابل”. وفي عام 2016 تحقق حلمه وأصبح ميشال عون رئيسا لجمهورية لبنان.

العهد “القوي”

في مقابلة أجريت معه بعد انتخابه رئيساً، أشار عون إلى نواياه تسليم لبنان أفضل مما كان سابقاً للرئيس الجديد. اليوم وبعد خمس سنوات يمرّ لبنان بأسوأ أزمة اقتصادية بعدما تجاوز سعر صرف الدولار 23000 ليرة لبنانية، واحتل لبنان المرتبة الثانية عربياً في التضخم بعد السودان بمعدّل 144%. أما سياسياً فيعاني اليوم لبنان من توتر داخلي يهدد بأزمات أمنية خطيرة قد تندلع في أي لحظة، وقد شهد عهده على انفجار مرفأ بيروت الذي اعتبر أحد أكبر الانفجارات غير النووية في العالم، واجتماعياً يشهد لبنان موجة هجرة أشبه بالموجات السابقة التي شهدها بعد الحرب العالمية الأولى والحرب الأهلية، هذا إضافة إلى البطالة التي يعانيها الشباب اللبناني.

وقد أتى عون تحت شعار “مكافحة الفساد”، وتمكن تياره في انتخابات 2018 من الحصول على أكبر كتلة نيابية في المجلس، وقد استخدم عون منصبه وكتلته النيابية للعرقلة بدلاً من استخدامها لتحقيق “الإنجازات” الذي تحدث عنها مراراً، فتميّز هذا العهد الذي ولد من رحم التعطيل بكونه الأكثر تعطيلاً، فقد تمّ تعطيل 45 جلسة نيابية لانتخاب رئيس، ثم تمت عرقلة تعيين الناجحين في مجلس الخدمة المدنية لأسباب طائفية. إضافة إلى عرقلة التشكيلات القضائية، وتعذر تأليف هيئة ناظمة لقطاع الكهرباء لأسباب سياسية تتعلق بوزير الطاقة آنذاك “صهر الرئيس” جبران باسيل. كما تمت عرقلة تشكيل حكومتين الأولى حكومة مصطفى أديب والثانية حكومة سعد الحريري لأسباب تعود إلى إصرار الرئيس وتياره على الحصول على الثلث المعطل. وقد شهد العهد على فتن وأزمات أمنية كان أبرزها حادثة قبرشمون التي تبعها تعطيل حكومة الحريري الثانية في العهد لأكثر من سنة، وأحداث الطيونة التي سبقها تعطيل حكومة ميقاتي بعد مقاطعة الثنائي الشيعي للجلسات الحكومية اعتراضاً على قررات القاضي بيطار.

ويتفاخر التيار العوني بإنجازات العهد ولا سيما الإنجاز المتعلق بوضع لبنان على الخريطة النفطية، إلا أنه مقابل ذلك تراجع عون عن توقيع مرسوم ترسيم الحدود البحرية وما زال ذلك المرسوم حتى اليوم عالقاً تجنباً لدخوله في تصعيد جديد مع الولايات المتحدة بخاصة مع العقوبات المفروضة على جبران باسيل. اليوم ومع دخول لبنان في السنة الأخيرة لميشال عون، تمر البلاد في حالة من اللا استقرار التام على كافة الأصعدة بخاصة بعد السيطرة التامة لميليشيا “حزب الله” وانقطاع العلاقات مع العرب والغرب. لذا، فإن لبنان الذي سيسلمه عون للرئيس الجديد لا يشبه لبنان بشيء، هو لبنان فاقد للسيادة بشكل تام.

ماذا بعد عون؟

بعد خمس سنوات من عهد عون نتساءل اليوم عما ينتظر لبنان في السنة الأخيرة منه، فبعد تأزم العلاقات الديبلوماسية مع المجتمع العربي وتخلي المجتمع الدولي عن لبنان لأسباب تعود إلى هيمنة ميليشيا “حزب الله” على القرار السياسي، إضافة إلى توتر الوضع الأمني والسياسي الداخلي وتدهور الوضع المعيشي للمواطن اللبناني، ليس من حل قريب يلوح في الأفق، لا بل ثمة احتمال بتأزم الوضع الأمني الذي أشير له بعد قرار الحكومة البريطانية بمنع مواطنيها من السفر إلى لبنان إلا في الحالات الإنسانية الضرورية، الخطوة التي حلّلها البعض بأنها توقع من المجتمع الدولي للمزيد من التوترات الأمنية في لبنان. أما اقتصادياً فلا حل قريب ما دامت علاقات لبنان بالعرب متأزمة من جهة، فيما الحكومة معرقلة مع مقاطعة الثنائي الشيعي لجلساتها مما يعني أن الحكومة الحالية ما هي إلا شبه حكومة تصريف أعمال غير قادرة على تحقيق أي إصلاح إقتصادي من جهة أخرى. بالنسبة للتحقيق بانفجار مرفأ بيروت، فهو معروف المصير منذ اللحظة الأولى فقد اعتاد اللبنانيون طمس وإخفاء الحقائق في الجرائم السياسية الأمر الذي بدأ الظهور بشكل واضح اليوم مع محاولة الجهات المتهمة بعرقلة التحقيق وتقديم طلبات رد بحق المحقق طارق البيطار. واجتماعياً الوضع إلى المزيد من الـتأزم مع تدهور الوضع الإقتصادي.

حقق ميشال عون حلمه ونجح في دخول القصر الجمهوري رئيساً للجمهورية، وخاض حربين طاحنتين، ثم خالف الدستور وغادر لبنان وعاد إليه رئيساً. ويغادر ميشال عون القصر الجمهوري السنة المقبلة، في حال غادر، تاركاً لبنان بحال فوضى عارمة على كافة الأصعدة، مع أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية خانقة. أما مصير لبنان اليوم فهو مجهول ومرتبط بتغيير اللعبة الدولية والإقليمية وتأثيرها فيه، بانتظار أي معجزة سياسية تخرج لبنان من “جهنم” التي يعيشها…

شارك المقال