إستقلال لبنان مختطف بالاستقواء والعقيدة المزيَّفة

كمال دمج
كمال دمج

لم يكن استقلال لبنان عام ١٩٤٣ نتاج “ميثاق وطني” كما حَصَل في الظاهر أو وليد فكر متطلِّع نحو إظهار حضارة يكون لها أهمية توازي الموقع الإستراتيجي للبنان إقليمياً ودولياً، بل كان نتاج شراكة مرحلية بين “قطب” ينتمي للعروبة ويريد الوحدة مع الجوار العربي و”قطب” ينتمي للغرب ويريد وصايته، من دون أيِّ حسٍّ من أيّهما بالإنتماء للبنان الوطن والكيان، بغض النظر عن نضالات رجالات الإستقلال.

واستتباعاً لذلك، لم تُحَصِّل الكيمياء اللبنانية إلاَّ انفجارات نتيجةً للـ”استقواء”. لكن وعلى الرغم من كل ما مَرَّ به لبنان، لم يتعدَّ الأمر – حتى في الحرب الأهلية – مسألة الصراع من غير المساس بالدولة العميقة والكيان وبأسس الإستقلال كما هو حاصل اليوم.

قد يرى الكثيرون أنَّ الفساد نوع من أنواع الإحتلال، إلاَّ أنه في أعظم الأحوال لا يمكن أن يكون احتلالاً بمعناه لأنَّه نهج مجتمعي وأسلوب حياة من الناس وللناس. لكن إن أردنا فعلياً الحديث عن احتلال، فإنَّ السلاح غير الشرعي هو المدخل الرئيسي لأي انتهاك لهيبة الدولة والاستعلاء على القانون وعدم إعلاء الشأن العام على المحسوبيات.

فمنذ نشأته، لم يكن لدى “حزب الله” برنامجاً إنتخابياً وطنياً ومشروع دولة ومؤسسات، بل كان خطابه خطاب ميليشيات على لسان أمينه العام الحالي بأن مشروعهم هو مشروع الدولة الإسلامية وأن يكون لبنان جزءا من الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فكان من اللحظة الأولى، وما زال، عميل إيران في لبنان.

كيف لا نصفه بـ”الإحتلال” وقد أُنشِئ ليكون قوة موازية للجيش اللبناني، لا بل يفوقه بآلاف المرات قدرة وعتاداً وعديداً، حتى بات متحكماً بقرار السلم والحرب في لبنان، وبيده وتحت سيطرته الحدود والممرات والمرافق الحيوية التي استغلها في توسعه على حساب الشرعية والسيادة. لقد أَنشَأ الحزب “مؤسسة القرض الحسن” الخارجة عن النظام المالي اللبناني لتكون موازية للقطاع المصرفي الذي انهار بفعل التسيُّب والتفلُّت والتحكم بقرار الحكومات. كيف لا يكون احتلالاً وهو “مقاول الإنهيارات” في لبنان، وآخرها انهاك قطاع المحروقات لتحلَّ مكانه الصهاريج الإيرانية المحمَّلة بالكيديات والعنتريات.

لن نعود في الزمان ولن نستذكر تاريخاً وأحداثاً راسخة في أذهان الجميع لتوصيف تحكّم حزب إيران بلبنان، فإنَّ الأيام التي نعيشها كافية وإنَّ كل تفاصيلها نتاج الإرادة الإيرانية في لبنان. فبلا أقنعة، يفرض الحزب اليوم إرادته على الحكومة فيصادر قرارها ويستخدمها منصة هجوم شرس على كل من أراد الخير للبنان وليمنعها من الإجتماع من بداية عهدها للضغط عليها لتنفيذ رغبته في إطاحة هيبة القضاء ونسف التحقيقات التي باتت كل الطرق فيها تؤدي نحو إدانته وحلفائه في كارثة تفجير مرفأ بيروت. ومن غير اكتراث للحرية والديموقراطية والقانون، يفتعل وحليفه الأزمات والتشنجات لتطيير الإستحقاقات سعياً لإطاحة النظام.

إنَّ واجبنا اليوم كـ “شباب لبنان الكبير” أن نُحْيي الذكرى فقط وفاءً لمن ضحّوا من أجل إحقاقها وأن نسعى بشجاعة لإعادة المجد للبنان ملتقى الحضارات والثقافة والإنفتاح ولإعادة الإعتبار لإستقلالنا من خلال الوقوف وقفة وحدة وثبات في وجه من كرَّس شرَّه لإخضاعنا كي نكون أداة تسخدم في مشروع الحقد والكراهية.

شارك المقال