لبنان بين الاستقلال والتأثيرات الخارجية

جاد فياض
جاد فياض

يحتفل لبنان واللبنانيون بذكرى الاستقلال عن الانتداب الفرنسي عام 1943. سنوياً، تمر هذه الذكرى مرور الكرام، بعدما فقدت معناها وتم تفريغها من قيمتها وقيمها. لا يشعر اللبنانيون بالاستقلال الحقيقي منذ سنوات طويلة، على الرغم من جلاء جميع القوات الأجنبية من معظم الأراضي اللبنانية باستثناء مزارع شبعا المحتلّة، وذلك لأن السلطات اللبنانية لم تستطع فرض السيادة ولو بالحد الأدنى، بل عززت بطريقة أو بأخرى التدخلات الخارجية بالشؤون المحلية.

تحقق الاستقلال عن فرنسا بشكل كامل عام 1943، بعد أن سلّمت سلطات الإنتداب آنذاك إدارة الشؤون السياسية والادارية والعسكرية للسلطات المحلية، لكن لبنان ومنذ ذلك الحين لم يتمتع بالاستقلال الحقيقي، لأن هذا المفهوم، أي الاستقلال، غير مرتبط بوجود قوات مسلحّة أجنبية أو وجود وصاية مباشرة على القرار السياسي من خلال الدستور، بل بحصرية امتلاك الدولة لقرارها وسيادتها بعيداً من الاملاءات الخارجية أيضاً.

بعد الانسحاب الفرنسي، حاول لبنان الحفاظ على الحد الأدنى من سيادة قراره، فنجح حيناً، وفشل أحياناً مع تأثره بمعسكري الحرب الباردة، الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي والرياح العروبية القومية التي نفحها جمال عبد الناصر، فتفاقمت الأمور إلى أن وصلت إلى صدامات مسلحّة عام 1958. في سبعينيات القرن الماضي، عاد التدخّل الأجنبي المباشر من بوابة الحرب الأهلية ودخول الجيش السوري تحت غطاء قوات الردع العربية، واستمر التدخل السوري عبر فرض الوصاية في اتفاق الطائف، إلى أن انسحب السوريون عام 2005 بعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري وثورة الأرز والضغط الأميركي المتمثّل بالقرار 1559.

أطلق اللبنانيون على الانسحاب السوري يومها تسمية “الاستقلال الثاني”، بعد الاستقلال الأول من فرنسا، وذلك لتشابه مساري الانسحاب العسكري والتوقف عن التدخل في الشؤون السياسية مباشرةً عبر بنود دستورية، لكن السوريين لم ينسحبوا من الحياة السياسية، واستمروا بالتدخل إما مباشرةً أو عبر الحلفاء في لبنان.

إلّا أن التدخل الخارجي لا يتوقف على سوريا فحسب، ولو انها كانت الوصية مباشرةً على الشؤون اللبنانية بعد الحرب الأهلية واتفاق الطائف، بل إن للدول الاقليمية تأثيراً كبيراً في السياسة والاقتصاد والأمن، وما هي الأحداث الأساسية التي طبعت تاريخ لبنان الجديد “بعد الطائف” إلّا خير دليل، من أحداث 7 أيار 2008 والتوتر السنّي – الشيعي الذي ساد البلاد لفترات طويلة، إلى الاشتباكات التي استمرت لجولات في طرابلس، فالانقسام العمودي بعد انطلاق الثورة السورية، ووصول ميشال عون إلى سدّة الرئاسة بعد اتمام الاتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة، جميعها محطات مرتبطة إما بتصعيد اقليمي أو بتسويات.

لا يمتلك لبنان حصرية قرار، والأمر غير مرتبط بقرار السلم والحرب فحسب، بل حتى لجهة قرارات الاصلاح والادارة، فلبنان دولة مخطوفة، لا سيادة فيها ولا استقلال. مبدأ تلزيم الدول الصغيرة للدول الكبرى لم ينتهِ بعد فرط عقد اتفاقيات “سايكس بيكو” وانسحاب بريطانيا وفرنسا، بل هو مسلسل مستمر تحت عناوين متعددة، هدفه واحد، السيطرة على مقدرات البلاد واقتصادها. من العار الاحتفال بالاستقلال والقرار مخطوف لدى الدول الكبرى، والأجدى السعي للحفاظ على الحد الأدنى من السيادة، بدلاً من تنظيم الاحتفالات الفولكلورية التي لا تغني ولا تُسمن.

شارك المقال