“الاستقلال” بين الداخل والخارج!

فراس خدّاج
فراس خدّاج

لبنان والاستقلال حكايةٌ طويلة لا تنتهي! في بلدي لا استقلال حقيقياً، في بلدي لا سيادة ولا قرار وطنياً، في بلدي شعبٌ مرهقٌ، لا أعرف إذا كان ظالماً بحق نفسه أو مظلوماً، أم ثمّة مجموعةٌ من السماسرة تمتلك من الدهاء ما يدمر دولاً بأكملها؟!

تتعدد الاستقلالات في لبنان بحسب تعدد الاحتلالات والوصايات التي مرّت عليه أو فرضت على البلاد بالقوة وبحسب ما يقال باللبناني”نتيجة الظروف”… لكن على الرغم من نيل لبنان استقلاله تاريخياً قبل 78 عاماً، لا تزال البلاد تعاني من التجاذبات التي أفرزتها عدة حقبات من الانقسامات الطائفيّة والمذهبيّة، التي أفرزت حالياً أسوأ أزمة اقتصاديّة وماليّة في تاريخ لبنان.

إن اللبنانيين لم ينعموا يوماً باستقلال حقيقي، إذ تناوبت عدة إدارات إقليمية ودولية التأثير في حكمه، فكان منذ أكثر من 100 عام تحت سيطرة السلطنة العثمانية قبل أن ينتقل إلى الانتداب الفرنسي، ونال بعد ذلك استقلالاً هشّاً لم يدُم طويلاً، إلى أن شُرّعت أبوابه لفتنة مزّقت شعبه ودفعته إلى حرب أهلية طاحنة، فدخلت الوصاية السورية بالتزامن مع احتلال إسرائيلي لأجزاء واسعة من أراضيه الجنوبية.

وبعد زوال الاحتلالين، انغمس الشعب اللبناني في خلافات مذهبية وتدخلات خارجية مزّقته وفرضت عليه وصاية جديدة من خلال حزب سياسي، وفق ما يراه الكثير من اللبنانيين، مما يدعو إلى التساؤل “هل اللبنانيون حالياً بحاجة الى الاستقلال الفعلي في مواقفهم الوطنية والخارجية بعيداً من صراعات الأمم، ويتماهى مع سيادة البلاد وسلامة العباد؟!

مرّ عيد الاستقلال هذا العام كذكرى سنوية روتينية فارغة من أي مضمون في ظل الأزمات القاسية التي تمرّ بها البلاد، إذ اعتاد اللبنانيون في الآونة الاخيرة أن لا يمر عيد واحد من دون أن نكونَ في انتظار تشكيلِ حكومة أو تكليف رئيس لها أو في ترقّب لإمكان تفجّرها، ولا يمرّ عيدٌ ايضاً من دون أن نسمع قصائدَ وأساطيرَ من المسؤولين عن الحرية والسيادة، والكلام الشاعري عن مفهوم الاستقلال وكيفية تحقيقه بحسب أهواء كل منهم.

الاستقلال الحقيقي يبدأ من التغيير السياسي على كافة الصعد من خلال إجراء انتخابات نيابية تعيد إنتاج طبقة سياسية جديدة أي بأصوات الشعب اللبناني، وتعيد أيضاً الثقة بالدولة ومؤسساتها، وبعدها نبدأ الإصلاحات الجذرية على مستوى قطاعات الاقتصاد الوطني (حركات الاستيراد والتصدير) والسياحة والأمن (حصر السلاح بيد الدولة)… والحجر الأساس لأي دولة متقدمة هو استقلال القضاء الذي لا يعلو عليه أحد، ولا أحد يجرؤ على الوقوف في وجهه.

من هنا المرحلة الأولى هي بناء الدولة القوية ومن ثم نبني علاقاتنا مع دول الخارج على أسس الاحترام المتبادل بما يعود بالنفع العام على البلاد. وليس بالتباهي بالتبعية للخارج ومشاريعه التدميرية التي تعود بالخراب والدمار. وبالحديث عن العلاقات مع الخارج، يجب عدم السماح لأي دولة بالتدخل في القرار الوطني أو الموقف العام، وعدم مساسها بالسيادة ونظام الحكم، والمواقف العامة التي تراعي مصالح اللبنانيين ولقمة عيشهم خصوصاً في الأوضاع الراهنة، فالفكرة العامة من كل ذلك هو تحقيق الاستقلال الداخلي على المستوى الوطني والخروج إلى دول العالم بالمظهر المطلوب أي “المنفتح” على الجميع والحيادي بما يحافظ على مصالح البلد، لان لبنان لم يعد يتحمل ابدا المزيد من الصراعات والأزمات…

وعلى أمل أن تتحقق السيادة في بلدٍ طحنته الصراعات والحروب، ونرى للحظة واحدة الاستقلال الذي نتمناه جميعاً، يبقى الرهان الأكبر على وعي اللبنانيين وقدرتهم على تغيير الواقع الحالي، والذي يبدأ كما قلنا من الانتخابات النيابية (27 آذار) بالتصويت للبنان ومصلحته في مواجهة الوصاية.

شارك المقال