مع انتهاء الجولة السابعة من محادثات فيينا بشأن الاتفاق النووي الإيراني، ثمة ترقب حذر لما قد يتبع تلك المحادثات، بخاصة بعدما أبدى كل من الطرفين الأميركي والإيراني تشاؤمه بشأن النتائج الحالية للمفاوضات. فقد أراد الرئيس الاميركي جو بايدن مع دخوله البيت الأبيض أن يكون عهده ديبلوماسياً بخاصة مع الأطراف الذين لطالما شكلوا عداءً مباشراً لأميركا في الشرق الأوسط، فافتتح أشهره الأولى بعودة أميركا للاتفاق النووي الإيراني، ثم أتبعها بخطوات اعتبرها البعض تنازلاً أميركياً بعدما تم إزالة ميليشيا الحوثي عن لائحة الإرهاب، والقرار الأميركي بالإنسحاب من أفغانستان وتسليمها إلى طالبان الخطوة التي لاقت معارضة دولية شديدة.
اليوم وبعد سبع جولات على استئناف المحادثات في فيينا، ثمة عراقيل كثيرة تحول دون تقارب وجهات النظر بين الطرفين المفاوضين، بخاصة بعد رفع إيران سقف مطالبها من الجانب الأميركي وزيادة تصعيدها السياسي والعسكري في منطقة الشرق الأوسط، إضافة إلى تغير الأطراف المفاوضين بعد تسلم ابراهيم رئيسي الرئاسة وتبدل شكل الحكومة الإيرانية من جهة، وظهور تطورات إقليمية أثرت بشكل أو بآخر في مجرى المحادثات من جهة أخرى.
إن شروط الطرفين المفاوضين كانت واضحة في بداية الأمر، بحيث تحرص إيران على رفع العقوبات عنها مع عدم المساس بوجودها العسكري ودورها الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط، مقابل مطالب أميركا بوقف تخصيب إيران لليورانيوم، إضافة إلى ما يتعلق ببرنامج إيران للصواريخ الباليستية، تبع ذلك رفض إسرائيلي قاطع لتلك المحادثات بكافة شروطها وبنودها مع إصرار على ضرورة منع إيران من امتلاك السلاح النووي.
ومع انتهاء ولاية الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني، تشكلت حكومة جديدة برئاسة إبراهيم رئيسي، وتسلم منصب وزارة الخارجية حسين عبداللهيان. وقد عين رئسي بدوره، محمد إسلامي – الوزير السابق في حكومة روحاني – رئيساً لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية. وقد شكل هذا الثنائي – رئيسي، عبداللهيان – إشارة واضحة الى أن إيران لم تعد تأبه لمسألة العقوبات، وذلك نظراً لانتمائهما إلى قائمة الشخصيات التي فرضت عليها العقوبات، والتي لطالما حلما بامتلاك إيران للقنبلة الذرية. وكان تواصل الرئيس الجديد لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية محمد إسلامي، مع باكستان سابقاً بهدف استنساخ تجربتها بامتلاك القنبلة الذرية. كل تلك الإشارات ما هي إلا دليل على إصرار الحكومة الإيرانية الجديدة على امتلاك السلاح النووي مهما كلف الأمر.
من جانب آخر، ثمة معارضة إسرائيلية شديدة لمحادثات فيينا، إن لناحية إصرار إيران على رفع سقف مطالبها، أو لتساهل أميركا مع إيران في منطقة الشرق الأوسط. في هذا الصدد، وضعت حكومة نفتالي بينيت الجديدة ميزانية تقدر بخمسة مليارات شيكل إسرائيلي، أي نحو مليار ونصف المليار دولار أميركي لتعزيز قدرات إسرائيل للتصدي لإيران. وأشار وزير المالية الجديد إلى أن “المواجهة مع إيران هي مجرد مسألة وقت لكن ليس الكثير من الوقت”. وكانت إسرائيل استهدفت لمنشأة نطنز بهجوم سيبراني، عطل العمل في المحطة لتسعة أشهر، هذا إضافة إلى اغتيالها للعالم النووي محسن فخري زاده.
إلا أن اليوم تبدل الوضع، بحيث لم تعد تقتصر تهديدات إسرائيل على عمليات شكلية، إلا أنها تخطتها بعدما أشارت تقارير نشرتها صحيفة Times of Israel إلى أن إسرائيل قد بدأت استعدادها للهجوم على إيران وذلك بعدما بدأت شراء أسلحة دقيقة تتضمن مروحيات ثقيلة ومخزون إضافي للقبة الحديدية، تقدر بمليار دولار، إضافة إلى مناورات عسكرية مشتركة في البحر الأحمر بين كل من إسرائيل والولايات المتحدة والبحرين، كلها إشارات فسرها البعض بأنها استعدادات لحرب إقليمية مقبلة.
إلى جانب ذلك، أشار الجانب الأميركي بعد انتهاء المحادثات الحالية، إلى احتمال لجوء أميركا إلى خطة “ب” في حال فشلت المحادثات، أو في حال اقتراب إيران من امتلاك قنبلة نووية، وقد تدفع الخطة “ب” بالجانب الأميركي إلى إقناع كل من روسيا والصين بوقف وارداتها من إيران مع وضع عقوبات جديدة إلا أن هذه الخطوة قد تدفع بإيران إلى امتلاك وقت أطول لتخصيب المزيد من اليورانيوم.
انطلاقاً من هنا ثمة عراقيل كثيرة تقف في وجه التفاهم والتقارب بين الطرفين ولا سيما سياسة “الصبر الإستراتيجي” التي لطالما اعتمدتها إيران والتي تدفعها الى رفع سقف مطالبها واستمرار تصعيدها لو مهما كلفها الأمر. لذا ثمة تقارير تشير إلى ثلاث مراحل أساسية قد يتّبعها الجانب الأميركي في حال وصلت المحادثات إلى حائط مسدود، تتمثل المرحلة الأولى باستهداف إسرائيلي أميركي لقادة وعلماء إيرانيين مع زيادة الحشد الأميركي العسكري في منطقة الشرق الأوسط لمساندة إسرائيل بوجه أي رد إيراني، وفي حال فشل تلك المرحلة، قد تلجأ أميركا إلى مجلس الأمن لتفعيل الفصل السابع وإعلان الحرب العسكرية على إيران الأمر الذي من المتوقع أن يقابله فيتو روسي وصيني، مما قد يدفع كلاً من واشنطن وتل أبيب لخوض الحرب ضد إيران بمفردهما والتي على الأغلب أن تستهدف في بداية الأمر المنشآت النووية الإيرانية، وهنا قد يتأثر الوضع العام برد فعل إيران تجاه الأحداث. وبناء على ذلك، يقرر الطرفان إما التسوية وحل النزاع أو اللجوء إلى المرحلة الثالثة وهي الحرب الشاملة على إيران وربما أكثر من إيران بحيث قد تستهدف البلاد التي تسيطر عليها الميليشيات الإيرانية، والتي على الأغلب أن يشارك فيها كل من ميليشيا “حزب الله” وحركة حماس في الحرب إلى جانب إيران، الخطوة التي قد تؤثر في لبنان بشكل كبير وفي الشرق الأوسط ككل.
تترقب منطقة الشرق الأوسط نتائج محادثات فيينا بحذر، نظراً لتداعياتها على المنطقة ككل. تكثر الاحتمالات والسيناريوات لما قد يحدث في حال فشلت، إلا أن ما هو مؤكد أن إيران باعتبارها دولة امبريالية، تسعى بكل ما لديها من قوة لتوسيع نفوذها، ونظراً لما قد تسهم القنبلة النووية بمساعدتها في تحقيق أهدافها الإستراتيجية، سوف تسعى لعرقلة المحادثات لاكتساب المزيد من الوقت لتخصيب المزيد من اليورانيوم، مما يعني أنها تفاوض من جهة وتخصّب من جهة أخرى. إلا أن تصعيد إيران مع تساهل أميركي وتهديد إسرائيلي من جهة أخرى قد يدفعنا إلى طرح الأسئلة حول ما هو آتٍ، فهل دقت الطبول لحرب إقليمية جديدة؟