الانتفاضة وشيطنة العمل الحزبي: انتخابات النقابات مثالاً

جاد فياض
جاد فياض

لم تستطع انتفاضة 17 تشرين إرساء تغييرات مهمة في المشهد السياسي، فباستنثاء إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري، عجزت عن تحقيق أي تبدّل، لجهة رئاسة الجمهورية، ومجلس النواب، أو حتى طريقة ممارسة السياسة في لبنان. لكن الانتفاضة، بمجموعاتها وأحزابها، استندت إلى ركيزتين من أجل الوصول إلى التغيير الذي تتطلع إليه، وهما التثقيف السياسي، والعمل على ملف الانتخابات النيابية المقبلة، خصوصاً أن ثمة قناعةً ما ترسّخت، تقوم على أن التغيير في لبنان لا يحصل إلّا من داخل الحكم.

استخدمت المجموعات والأحزاب الجديدة الدعاية السياسية في سياق عملياتها التثقيفية، تحت شعارات كان لها وقعٌ على فئة الشباب بشكل خاص. ارتكز العمل الإعلامي – الثقافي لمعظم هذه المجموعات والأحزاب الى مبدأ شمل جميع السياسيين في سلّة واحدة وتحميلهم المسؤوليات، تحت عنوان “كلن يعني كلن”، وهو لا شك أنه شعار شمولي إلغائي بامتياز، لأنه يحمّل الجميع المسؤولية عينها وبالقدر عينه، من دون تشريح وتفصيل، مما ينعكس تعميةً للحقائق.

وفي سياق استراتيجيتها لكسب الجمهور والتقرّب منه، استمرت هذه المجموعات في حملاتها الدعائية، حتى وصلت إلى شيطنة الأحزاب، والانتماء الحزبي، وصار مفهوم العمل الحزبي ملازماً لمفهوم الفساد، فاحتكرت مجموعات الانتفاضة نضال العمل المطلبي، ورفضت انضمام الأحزاب أو الحزبيين إلى صفوفها. صنعت هذه السياسة هوّة كبيرة بين فئات المجتمع اللبناني، وبشكل خاص بين مناصري الانتفاضة ومناصري الأحزاب، حتى بات وكأن العمل الحزبي معارضٌ للحق المطلبي.

وتطورت الحملات والدعايات السياسية لهذه المجموعات إلى أن وصلت إلى حدود ارساء ثقافة سياسية جديدة، تجلّت في خلع عدد كبير من الحزبيين رداءهم السياسي، خصوصاً أولئك الذين يشاركون في انتخابات الجامعات أو النقابات. انتخابات نقابتي المحامين وأطباء الأسنان خير دليل على ما ذُكر، إذ إن معظم المرشّحين تنكّروا لانتماءاتهم السياسية السابقة، وادّعوا أنهم مستقلون، على الرغم من دعم الأحزاب لهم. الادعاء بالاستقلالية عن أي حزب هدفه واحد، وهو جذب أصوات المستقلين المعادين للاحزاب، والذين تأثروا بالدعاية السياسية المذكورة سلفاً.

بغض النظر عن احتمال مشاركة الأحزاب السياسية اللبنانية بالفساد، فإن شيطنة العمل الحزبي، واعتبار الانتماء إلى مجموعة سياسية حزبية عيباً، يُعد ضرباً لأسس الديموقراطية والنظام الذي يقوم عليه دستور البلاد. إذ يدخل العمل الحزبي في صميم العمل السياسي الديموقراطي، ودونه يتحول النظام إلى ديكتاتوري شمولي ذي توجه واحد، بعيداً من التعددية.

بمعزل عن تقويم سياسات مجموعات الانتفاضة والأحزاب الجديدة المنبثقة منها، فإن اعتبار أهل هذه المجموعات أن أفكارهم صائبة ويجب تطبيقها فيما أفكار الأحزاب بمجملها فاشلة، يؤسس إلى سياسات شمولية، كتلك المتبعة في الدول التي تعتمد الأنظمة الديكتاتورية، كسوريا. كما إن عدم انفتاح هذه المجموعات على الأحزاب التقليدية، يندرج في خانة الانعزال والانغلاق، في حين أن السياسة تقوم على الانفتاح وتعدد وجهات النظر بهدف الركون إلى الأفضل بينها.

قد تكون بعض الأحزاب متورطة في ملفات فساد وتتحمل جزءًا من مسؤولية ما وصلت إليه البلاد، إلّا أن عزلها بشكل كامل واخراجها من المشهد السياسي هو أمر غير منطقي وغير قابل للتطبيق، كما ان تجريم مبدأ العمل الحزبي يعتبر نسفاً للنظام السياسي في لبنان. مسؤولية المنتسبين إلى هذه الأحزاب بشكل عام، وفئة الشباب بشكل خاص، العمل من داخل هذه الأحزاب من أجل تحسين الاداء، خصوصاً في تلك الأحزاب التي تتقبل النقد الذاتي الداخلي، إذ إن التنظير من خارج العمل الحزبي لا ينفع. والأكيد، إن السياسة في لبنان لا يُمكن أن تكون من دون وجود الأحزاب.

شارك المقال