جبهة سياسية ضد حزب الله للبحث في نقاط ثلاث

جاد فياض
جاد فياض

كثُر في الآونة الأخيرة الحديث عن إنشاء جبهة سيادية في لبنان لمواجهة سياسات حزب الله، تتألف من وجوه وأحزاب تعارض الحزب في خطّه الاستراتيجي وسياساته المحلية والاقليمية. وحُكي في الإعلام وخلف الكواليس عن اجتماعات تُعقد في هذا الصدد من أجل اطلاق هذه الجبهة السياسية التي من المفترض أن تحمل هدفاً واحداً، مواجهة حزب الله سياسياً لاستعادة لبنان من السيطرة الإيرانية.

وفي خفايا عملية تشكيل هذه الجبهة، حُكي عن دعوة وجهها بعض السياسيين الى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط من أجل المشاركة في هذه الجبهة وعلى مستوى القيادة، على الرغم من أن أي جهة لم تتبنَ إطلاق هذه الفكرة السياسية أو توجيه الدعوات، لكن رفض جنبلاط في معظم إطلالاته الإعلامية الأخيرة الإنضواء في أي جبهات وتحالفات يشي بأن حديثاً دار في هذا الصدد.

من المعروف عن وليد جنبلاط مواقفه السياسية عالية النبرة أحياناً، والتسووية أحياناً أخرى، إلّا أن هذه المواقف لطالما بُنيَت على معطيات وتحليلات واقعية أصابت في معظم الأحيان. لا يتجنّب جنبلاط المواجهات السياسية الصعبة ولا يهابها، وهو خاضها منذ تولى القيادة بعد استشهاد كمال جنبلاط. لكن في الوقت عينه، تلتقط “رادارات” المختارة الاشارات بشكل دقيق، وتفكّ الشيفرة بعناية وموضوعية بعيداً عن العواطف التي قد تُضلّل في الكثير من الأحيان.

رفض جنبلاط للانضواء في جبهات ضد حزب الله ليس سببه موافقته على سياسات الحزب، لا بل هو نفسه كان قد أعلن مواقف عالية النبرة ضد الحزب وسياساته الخارجية من سوريا إلى اليمن، لكن قد يكون يقينه بفشل هذه الجبهة أو التداعيات التي ستخلفها مواقفها على الشارع وعلى السياسة حال دون انضمامه، علماً أن هذه الجبهة لم تشهد أي إطلاق فعلي.

موقف وليد جنبلاط يحتّم البحث في واقع تشكيل هذه الجبهة. النقطة الأولى الواجب التعمّق فيها تكمن في الشعارات والعناوين التي سترفعها هذه الجبهة، إذ إن رفع شعار ضد حزب الله بشكل عام يختلف عن شعار يعارض سياسات حزب الله الاستراتيجية والإقليمية، فالحزب، كبيئة، موجود ولا يمكن لأحد إلغاء هذا الكيان المؤلّف من قيادات ومحازبين ومناصرين، أما بالنسبة لسياسات هذا الحزب، فبالتأكيد من الممكن معارضتها ورفضها.

النقطة الثانية تكمن في كيفية مواجهة سياسات حزب الله، فالمعلوم أن المواجهات السياسية في لبنان لطالما تطوّرت وأدت إلى انقسامات عامودية نتج عنها لاحقا تداعيات شعبية دموية، وكانت تنتهي باشتباكات مسلّحة وبتوسيع الهوّة بين اللبنانيين. لكن هذا لا يعني الاستسلام والانسحاب، إلّا أنه من الواجب وضع خطط لمواجهة سياسات حزب الله بعيداً عن لغة الشارع والسلاح، وقد تأخذ المواجهة مثلاً الدفع والضغط للبحث في الاستراتيجية الدفاعية.

النقطة الثالثة والأهم، التركيز على الهدف الأساسي والابتعاد عن الأهداف الثانوية والشخصية. إن تجربة 14 آذار خير مثال على توظيف واستثمار الجبهات السياسية لأهداف آنية وشخصية. إنطلقت الثورة تحت عنوان واضح وصريح، “حرية، سيادة، استقلال”، بقيادة ثلّة من السياديين، وانتهت باستشهاد العديد منهم، وبانسحاب جنبلاط بعد أن حاولت قيادات أخرى استثمار هذه الثورة لتحقيق أهداف فرديّة.

لا يختلف إثنان على أن سياسات حزب الله وسلاحه هي مسألة إقليمية مرتبطة بالمحور الإيراني في المنطقة، ومن المستبعد أن تأتي الجبهات السياسية بأي نتائج فعلية لجهة الهدف الرئيسي الذي يدور حول الضغط على الحزب لتغيير سياساته وتحييد لبنان عن الصراعات الخارجية، وبالتالي من المرجّح أن تنحصر التداعيات في الشارع وبشكل سلبي قد تُدخل لبنان في نفق أشد عتمةً من النفق الحالي. كما إن النقاط الثلاث قد تعكس هواجس جنبلاط من تشكيل جبهة تأخذ لبنان إلى المجهول ولا تُحقق إلّا أهدافاً موضعية.

التحذير من التداعيات الشعبية لا يعني الانكفاء عن اتخاذ القرار السياسي المذكور، لا بل قد يتم ذلك من خلال الضغط باتجاه الالتزام بالدستور والقانون وتنظيم الانتخابات النيابية ومن ثم الرئاسية، إلى الضغط للاتفاق على استراتيجية دفاعية. مبدأ معارضة سياسات حزب الله لا يعني مواجهة الحزب شعبياً وعسكرياً، بل سياسياً، وقد تأخذ المعارضة إما شكل التصعيد أو الحوار مع الحزب، فالهدف الركون إلى سياسات وطنية تحفظ البلاد، لا المواجهات العبثية الفارغة التي لا تؤدّي إلّا إلى التشرذم.

شارك المقال