غموض في المخيمات

يارا المصري

لم تعد الانفجارات غريبة عن لبنان، بل أصبحت حدثاً اعتاده اللبنانيون وتأقلموا مع تكراره. إنه بالطبع ليس حالة مُطمئِنة أن يعتاد شعب على الكوارث لأنها الدليل الواضح على الاستسلام والخضوع للجهة المزعزعة للأمن الداخلي، لكن يعكس على الأقل خروجاً كلياً عن السيطرة في بلد فقد كل معالم السيادة وكل أشكال الأمن والاستقرار.

في هذا الصدد، لم يتم تداول الانفجار في مخيم البرج الشمالي بما يستحق إعلاميا، على الرغم من ضخامته، وذلك نظراً للمعرفة المسبقة بطبيعته وأسبابه وخلفياته، إذ بات من البديهي لدى اللبنانيين معرفة خلفيات هذه الأنواع من الإنفجارات بمجرد ذكر المكان والجهة المستهدفة. وقد أعلنت حركة حماس في الدقائق الأولى أن الإنفجار وقع نتيجة استهداف إسرائيلي لمخزن أسلحة، إلا أنها ما لبثت أن بدّلت موقفها وأصدرت بيانا أوضحت فيه أن سبب الإنفجار هو “ماس كهربائي” في مستودع يخزّن فيه “الأوكسيجين” لمرضى كورونا، مع محاولات جاهدة من ميليشيا حزب الله لإخفاء الحقيقة.

إن هذا الإنفجار ليس الأول من نوعه، ويمكن تشبيهه إلى حد ما بانفجار عين قانا الذي وقع العام الماضي في مخزن أسلحة تابع لحزب الله، ما لبثت أن طُمست تفاصيله بعد منع الإعلام من الاقتراب من المنطقة لأسباب سياسية معروفة.

ويأتي هذا الحدث بعد أيام على نشر صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية معلومات تشير إلى تشكيل حماس جناحاً عسكرياً لها في لبنان، يحتوي مئات المجندين الفلسطينيين الذين يعملون سراً تحت غطاء مدني، ويخضعون لتدريبات عسكرية على يد عناصر إيرانية وأخرى تابعة لحزب الله.

في هذا الصدد، تُطرح أسئلة عديدة حول كيفية دخول الأسلحة إلى مخيم محاصر بالكامل من قبل الجيش اللبناني. وما موقف الدولة اللبنانية ليس فقط من السلاح غير الشرعي الذي اعتدنا وجوده، بل من إنشاء ترسانة عسكرية فلسطينية إلى جانب ترسانة حزب الله.

إنطلاقاً من هنا، أصبح هناك دلائل عديدة تشير إلى تحول لبنان ليس فقط إلى بلد محتل لا بل إلى معسكر لدولة الإحتلال، وخير دليل على ذلك هو انفجار مخيم البرج الشمالي الذي أظهر إلى العلن مخططات حماس في لبنان وطموحاتها إلى تشكيل فيلق إيراني لها في المخيمات إلى جانب ميليشيا حزب الله.

من هنا، لا يمكن إحراز أي تقدم على الصعيد السياسي الداخلي أو حتى على صعيد العلاقات العربية والدولية قبل حل تلك المشكلة “الأساسية” في الواقع اللبناني، مع استعادة السيادة المسلوبة كلياً.

وكان البيان السعودي – الفرنسي الأخير شدّد على ماهية الحلول لأزمة لبنان بعد زيارة ماكرون إلى السعودية، لا سيما تلك المتعلقة بحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية، وألا يكون لبنان منطلقاً لأي عمل إرهابي. لكن بوجود إيران وميليشياتها، تحوّل لبنان إلى معسكر ومخزن أسلحة لدولة أجنبية، فبات بلد الارز، حسب مقال لصحيفة “عكاظ”، “خطراً على نفسه وعلى محيطه العربي”. هذه العبارة الاقرب إلى توصيف واقعنا اليوم، خاصة بعدما غيرت إيران معالم الدولة اللبنانية وحولتها إلى ساحة لتصفية حساباتها الإقليمية والدولية وتوسيع نفوذها وتحقيق أهدافها الاستراتيجية.

شارك المقال