٣٠ عاماً من الغياب

حسين زياد منصور

إنه ٢٦ كانون الاول عام ١٩٩١، مجلس السوفيات الأعلى يعلن زوال الاتحاد السوفياتي، الذي أسس بعد الثورة البلشفية التي اسقطت القيصر في روسيا والتي قادها فلاديمير لينين في تشرين الاول ١٩١٧ ليتوسع فيما بعد ليصبح أكبر دولة في القرن العشرين بعد ضم ١٥ جمهورية.

يرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن انهيار الاتحاد السوفياتي “أعظم مأساة في القرن العشرين” ويحمّل غورباتشوف آخر زعماء الاتحاد مسؤولية هذا الانهيار.

لا يمكن نسب انهيار الاتحاد السوفياتي للعوامل الخارجية فقط او للولايات المتحدة الاميركية على الرغم من استنزافها قدراته في سباق التسلح خلال الحرب الباردة، فهذه الفرضية تقلل من احترام السوفيات.

لكن الكثير من العوامل الداخلية ساهمت في سقوط الاتحاد وأبرزها الأسباب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إضافة الى وجود اشخاص غير كفوءة بالسلطة، فالحاجة الى إجراء تغيير كانت ضرورية خصوصا لمواكبة التطور التكنولوجي، مما أدى الى ظهور بعض التخلف في السنوات الأخيرة من عمر الدولة السوفياتية، في ظل عجز القادة عن وضع حلول للاستمرار.

رحلة الصمود والصعود

بعد نجاح الثورة البلشفية بقيادة لينين وخلع القيصر الروسي ومن ثم انهاء الحرب الاهلية مع المناشفة والتي دامت ٥ سنوات، قام اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية المكون من روسيا الاتحادية السوفياتية وجمهوريات كل من بيلاروسيا وأوكرانيا وجمهورية ما وراء القوقاز والتي تضم جورجيا وأرمينيا وأذربيجان.

وضع لينين خططاً اقتصادية رسمت السياسات الخاصة للبلاد وفي عام ١٩٢٤ توفي وتسلم ستالين الحكم.

وما بين عامي ١٩٢٤ و١٩٤٠، انضمت إلى الاتحاد قيرغيزستان وكازاخستان وأوزبكستان وتركمانستان وطاجيكستان وليتوانيا واستونيا ولاتفيا ومولدافيا.

تمكن ستالين من احكام قبضته على الحكم، بعد التخلص من جميع منافسيه فيما عرف بـ”المحاكمات الكبرى” وإصداره لدستور جديد.

خلال الحرب العالمية الثانية، اثبت الاتحاد السوفياتي نفسه كقوة عالمية خصوصا بعد تحرير أراضيه من النازيين ثم احتلال برلين.

تسلم نيكيتا خروتشوف الحكم بعد وفاة ستالين عام ١٩٥٣ وعمل على تعزيز مكانة دولته عالميا ومقارعة الأميركان في الهيمنة خلال الحرب الباردة خصوصا عند اطلاقهم اول قمر اصطناعي في العالم “سبوتنيك-١” و”سبوتنيك-٢” عام ١٩٥٧ وانشاء حلف وارسو. وتوترت العلاقات أكثر بين موسكو وواشنطن على خلفية ازمة الصواريخ الباليستية عام ١٩٦٢.

في عام ١٩٦٤، عين ليونيد بريجنيف بدلا من خروتشوف المعزول، خلال عهده تم توقيع اتفاقية للحد من الأسلحة النووية (اتفاقية سالت)، وفي أواخر عام ١٩٧٩ تم غزو أفغانستان. بعد وفاة ليونيد بريجنيف تولى رئيس جهاز المخابرات السوفياتية يوري أندروبوف السلطة من عام ١٩٨٢ حتى وفاته في عام ١٩٨٤ ثم خلفه قسطنطين تشيرنينكو الذي توفي عام ١٩٨٥.

خلال هذه الفترة كان الاتحاد السوفياتي مرهقا بسبب تكاليف الحرب الباردة والخسائر الهائلة التي تعرض لها في الحرب الأفغانية إضافة الى الازمات الاقتصادية.

لم يستطع غورباتشوف حين تولى الحكم تحقيق أي إصلاحات وعانى المزيد من المشاكل والازمات السياسية والاقتصادية كان أبرزها سقوط جدار برلين وخروج أوروبا الشرقية عن سيطرتهم السياسية.

وعلى الرغم من انقلاب آب ١٩٩١ الفاشل الا ان غورباتشوف قدم استقالته، وتوالت الاحداث حتى استقلت جميع الجمهوريات عن الاتحاد السوفياتي الذي لم يعد موجودا بعد ٢٦ كانون الاول ١٩٩١ لتزول معه حقبة الثنائية القطبية وتتربع الولايات المتحدة الأميركية على عرش الهيمنة العالمية وحدها.

٣٠ عاما من سيطرة الولايات المتحدة الأميركية على العالم، لم تظهر قوى كالاتحاد السوفياتي قادرة على مقارعة الاميركيين خلال هذه الفترة.

في السنوات القليلة الماضية، نهض الدب الروسي من جديد ليكون مؤثرا في القرارات العالمية خصوصا في ظل حكم “السوفياتي” بوتين، لكن صاحب التأثير الأقوى في السوق العالمية والقادر على منافسة الأميركي هو التنين الصيني لما وصل من تقدم وازدهار على مختلف الأصعدة ان كان اقتصاديا او سياسيا او اجتماعيا.

هنا أسئلة كثيرة تجول في الأذهان، هل الحرب الباردة الحالية ستكون اقوى من الأولى؟ وهل سنعود الى الثنائية القطبية؟ ام ثلاثية قطبية تضم الولايات المتحدة الأميركية وروسيا والصين؟

شارك المقال