يشهد لبنان في الآونة الأخيرة حركة كثيفة من المبادرات المحلية والإقليمية لحلحلة الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعاني منها منذ عام ٢٠١٩، ولكن للأسف باءت جميعها بالفشل، نتيجة تعنّت السلطة وعدم قدرة الحكومة على التعهد بشيء… وما زال حتى يومنا هذا الترقب سيد الموقف وخاصة بعد المبادرة أو الرسالة الخليجية – الكويتية التي حملها وزير الخارجية الكويتي أحمد ناصر المحمد الصباح إلى المسؤولين اللبنانيين، والتي تتضمن شروطا محددة مفادها باختصار: إما أن يكون لبنان دولة طبيعية تحت سقف الشرعيتين العربية والدولية، إما يكون “دويلة” عدائية خارجة عن القانون والأعراف الديبلوماسية والقرارات العربية والدولية.
وأمهلت الدول الخليجية لبنان 5 أيام لتقديم إجابات واضحة ومباشرة حيال رسالتها، تمهيداً ليحمل وزير الخارجية اللبناني عبدالله بو حبيب هذه الإجابات معه إلى الكويت في ٢٩ كانون الثاني الجاري، لذا فالأيام الفاصلة عن هذا الموعد ستشهد مشاورات رئاسية كثيرة بين قصر بعبدا وعين التينة والسراي الكبير لبلورة صيغة الرد اللبناني الرسمي على الرسالة الخليجية.
وفي تفاصيل الرسالة الخليجية، سلةٌ متكاملةٌ من المطالب العربية التي لا تستثني وجوب تطبيق القرار 1559 الذي ينصّ على حصر السلاح بيد الدولة وأجهزتها الشرعية، ولا سيما أنّ المعلومات المتواترة من دوائر الرئاسة الأولى كشفت أنّ رئيس الجمهورية ميشال عون، الذي ادّعى أنه عرّاب القرار 1559، سارع إلى التنصّل منه أمام الضيف الكويتي مبدياً تحفظه بشكل غير مباشر على مطلب نزع سلاح الميليشيات في لبنان، في إشارة إلى استحالة حل مشكلة سلاح “حزب الله” باعتبارها مشكلة إقليمية أكثر منها لبنانية.
كما تضمنت الى جانب تلك البنود، تنفيذ الإصلاحات الجذرية التي تشمل جميع القطاعات خصوصا الكهرباء ومكافحة الفساد وضبط الحدود والمعابر، والالتزام باستكمال تنفيذ اتفاق الطائف، وتطبيق قرارات مجلس الأمن 1559 و1701 و1680، وتعزيز دور الجيش اللبناني في الحفاظ على أمن واستقرار لبنان، وحصر السلاح بيد مؤسسات الدولة، ووقف العدوان اللفظي والعدائي ضد الدول العربية والخليجية.
من هنا تأتي أهمية الزيارة، والتي تعتبر الأولى لمسؤول خليجي بعد الأزمة الأخيرة، مما يعني أن ثمة مؤشرات إلى حلحلة ما على خط العلاقات بين لبنان ودول الخليج العربي، الأمر الذي يتيح للكثيرين التأسيس على ما يمكن أن ينتج عن هذه الزيارة، وما طُرح فيها من أفكار، وما سيتبعها من اتصالات لاحقة، خصوصًا في الزيارة التي سيقوم بها الرئيس ميقاتي الى الكويت ،وقبلها زيارة وزير الخارجية عبدالله بوحبيب.
ويُعتقد أن عدم تطرّق الوزير الكويتي في تصريحه من عين التينة، إلى موضوع “حزب الله”، يأتي في سياق ترطيب الأجواء المطلوبة في المقابل من الجانب اللبناني، وبالتحديد من قبل “حزب الله”، الذي لم يصدر عنه حتى الساعة أي تعليق حول الزيارة. والأرجح أن الرئيس بري سيوفد معاونه السياسي النائب علي حسن خليل إلى حارة حريك لوضع القيادة الحزبية في جو اللقاء مع الوزير الكويتي وما حمله معه من أفكار مطلوب بلورتها وصوغها كموقف لبناني موحدّ، وإن كان “حزب الله” يميل إلى ترك بتّ هذا الأمر في مجلس الوزراء بشكل رسمي، من دون أن يعني ذلك عدم إلتزامه بـ”هدنة مطلوبة” من شأنها أن تمهدّ لمحادثات يؤمل أن تكون مثمرة في الزيارة التي سيقوم بها الرئيس ميقاتي لدولة الكويت فور إكتمال عناصرها وظروفها، خصوصًا لجهة إلتزام لبنان بكل مكوّناته السياسية بعدم التدّخل في الشؤون الداخلية للدول العربية.
وعليه، هل تكون الحكومة اللبنانية قادرة على الالتزام بالشروط الخليجية، والتعهد بذلك؟! وماذا سيكون الموقف الرسمي الذي سيصدر عن حزب الله (الحاكم الفعلي) على المبادرة الكويتية لإعادة العلاقات اللبنانية – الخليجية إلى طبيعتها؟!