ما مصير زهرة الشباب في بلادنا؟

نور بو حرفوش

لم يعد هناك اختلاف بين المواطن اللبناني والأريكة التي تلازم شاشة التلفاز، فكلاهما ثابتان في مكانيهما، في ظل الأزمة التي يشهدها لبنان اليوم من تدهور سعر صرف الليرة والفساد السياسي وتداعيات انفجار 4 آب، والتي نسفت أيضا جميع القطاعات وساهمت في هلاك المواطنين ولجوئهم الى بلاد المهجر، حيث اختاروا قوارب الموت على البقاء في تابوت المواطنية. وتبيّن أن عدد اللبنانيين المهاجرين والمسافرين منذ بداية العام 2021 وحتى منتصف شهر تشرين الثاني، وصل إلى 77.777 ألف شخص مقارنة بـ 17.721 ألفاً عام 2020، يحدوهم الأمل في العثور على لقمة عيش كريمة في بلاد تحترم فيها حقوق الانسان لا الكراسي والمواد الخشبية.

‎بدأ تردي الأوضاع الاقتصادية حين وصل الناتج المحلي الاجمالي الى ما دون ٣٥$ للفرد الواحد في ظل سيطرة الغلاء الفاحش على الأسواق اللبنانية من جشع التجار والموردين الذين استغلوا الأوضاع الراهنة واعتبروها “نعمة” فجعلوها على غيرهم “نقمة”، وصولاً الى تدنّي القدرة الشرائية للمواطن بسبب التضخم المالي الحاصل من انهيار غير مسبوق للعملة اللبنانية وصلت نسبته إلى 85 بالمئة أمام ارتفاع قيمة الدولار، مما تسبب في وقوع الكثير من الاشتباكات بين المواطنين والعاملين في المتاجر والأسواق، خصوصاً بسبب التدافع الى شراء السلع المدعومة من الدولة والخلاف على الأسعار التي تضاعفت بشكل جنوني، في ضوء تعدّد أسعار الصرف، فأصبح الفقر عاملاً مشتركاً بين فئة لا بأس بها من اللبنانيين، وبلغ عدد الذين هم دون خط الفقر 1.5 مليون نسمة.

أما سياسياً، فهيمنة الطبقة السياسية أغرقت البلد في بئر فساد لا خلاص منه، خصوصاً مع وصول الأزمة الحكومية إلى حائط مسدود، اضافة الى ضبابية مصير الانتخابات، وهيمنة المحور الايراني على الهيكلية السياسية، وسط الضغط والتدخل الدولي الذي يشهده لبنان لازاحته من مصيدة الموت. وأضحى اللبنانيون في حالة ترقب وهلع من نشوب حرب أهلية تذكّر بما حصل ما بين عامي 1975 و1990، في ضوء التفلت الأمني الحاصل وارتفاع معدلات الجرائم، وازدياد العنف نتيجة تفاقم الحاجات الحياتية.

وعلى الصعيد الاجتماعي، لم يعد بمقدور اللبنانيين التمييز بين حقوقهم وبين المساعدات الانسانية التي يتلقونها ولا تكاد تكفي عائلة لأسبوع واحد فقط، مما جعلهم في حال ضياع، فأصبحوا يطالبون بالمساعدات بدلاً من المطالبة بحقوقهم، ورضخوا لهذا الأمر لكونه أفضل من لا شيء، إضافة الى غياب التيار الكهربائي عن مناطق واسعة في العاصمة بيروت، كما بقية المناطق، وغلاء كلفة المولدات مما أدى الى ازدهار سوق الشمع، انتقالاً الى تفاقم حدة البطالة التي بلغت عتبة الـ80 في المئة في ظل غياب فرص العمل والاستثمارات.

وبالنسبة الى القطاع الصحي، فحدث ولا حرج، اذ أضحى اللبناني في حال قلق دائم وانعدام لمصطلح الصحة النفسية بسبب تفشي وباء كورونا وسلالاته والنقص الحاد في المستلزمات الطبية، الخاصة بجراحات العظام، ومنها المفاصل الإصطناعية، ومسامير التثبيت، وكذلك المستلزمات الضرورية لجراحات القلب والأوعية الدموية، وحتى النقص في مادة البنج التي تعد ضرورية للتخدير قبل العمليات الجراحية.

أما القطاع التربوي الذي يتأثر بقوة بهذه الأزمة الكارثية، فيشهد أسوأ المراحل التي مر بها منذ عقود، اذ لم يعد الطالب قادراً على التعلم لا حضورياً ولا عن بعد، ولا يعلم ما اذا كان يستطيع متابعة التعلم بمنهج لا يلقنه سوى التوتر والاحباط أو يلجأ الى التسرب المدرسي علّه يقلص من ثقل الأعباء على والديه، فهو من منظوره في كلا الحالتين غير مستفيد ولا مستقبل له في هذه البلاد.

أخيراً، أصبح المناخ اللبناني غير مؤهل لنمو هذه الزهرة، فلا هواؤه المليء بالفساد يحييها، ولا مياهه المهدورة والمتسخة باتت صالحة لريها، اما أشعة شمسه فكفيلة بحرقها لا الاستفادة منها، فضلاً عن بناه التحتية المدمرة. فما مصير الشاب اللبناني المغترب واللاجئ في بلده؟

شارك المقال