في بلاد العُربِ.. كلنا ريانُ

ميرنا سرور
ميرنا سرور

شاءت الأقدار أن اتجهت بوصلة الإعلام على مدى الأيام الخمسة الماضية الى إقليم شفشاون المغربي، حيث سقط الطفل ريان في البئر، ليعيش العالم حالة “حبس أنفاس” انتهت بوفاة الطفل الذي لم يقوَ على المواجهة ولم يتسنَ له بالتالي أن يُصطفى بطلاً قوميا لبضع ساعات، يعود بعدها ليعيش بهدوء مصير أترابه القاطنين في هذه البقعة المتهالكة من العالم.

وعلى الرغم من أن ريان نال اهتمام العالم بأسره واستعطافه، إلا أنه استنهض القومية العربية لبرهة، أو على الأقل هذا ما قالته مواقع التواصل بعد أن تصدر وسم #أنقذوا_ريان قائمة الترند، فرأى أحد المغردين أن “ريان نام كي تستيقظ الأمة العربية” وأنه “وحّد العروبة”، وبالفعل، كانت كلمة “عروبة” ترافق اسم ريان في معظم التغريدات من المحيط الى الخليج.

لعل العالم كله كان ينتظر أن يعود ريان سالما، لكن الأمر يتعدى ذلك بأشواط لدى العرب. هم انتظروا خروج ريان سالما غانما ومعافىً حبّا وعطفا بالدرجة الأولى طبعا، لكنهم أيضا كانوا بانتظار أن تشكل عملية إنقاذ هذا الطفل شمّاعة يعلقون عليها آمالاً بأنهم ربما سيخرجون من بئرهم أيضا.

ولربما استجدى هؤلاء القابعون في هذه البقعة البائسة من الأرض حدثا يستعيدون من خلاله الثقة بحكامهم، فيستحقون عن جدارة لقب “مواطن”، بكل ما في هذه الكلمة من مواطنة، وما وراءها من أزمة هوية. والمواطنة اصطلاحا هي “انتماء الإنسان إلى بقعة أرض، أي الإنسان الذي يستقر بشكل ثابت داخل الدولة أو يحمل جنسيتها ويكون مشاركاً في الحكم ويخضع للقوانين الصادرة عنها ويتمتع بشكل متساوٍ مع بقية المواطنين بمجموعة من الحقوق ويلتزم بأداء مجموعة من الواجبات تجاه الدولة التي ينتمي اليها”.

إذًا فالمواطنة انتماء، والانتماء غريزة بشرية أساسية كما وصفها الباحث ديفيد ماكليلاند. والانتماء هذا يرتبط حكما بالأمن والأمان، المغيّب قسرا منذ الأزل في بلاد العربِ. غياب الأمان يعني بالتالي غياب الانتماء، وغياب المواطنة، واستيلاد صراع هوية لا ينفك هذا الفرد المولود قدرا في هذه البلاد يبحث عن حل له، مع كل حدث مفصلي، تماما كما كانت الحال في مأساة ريان.

وفي لبنان تتخذ أزمة الهوية والمواطنة منحىً أشد تعقيدا، فالجهود المبذولة من قبل السلطات المغربية، والتي تُرفع لها القبعة احتراما، دفعت باللبنانيين الى المقارنة بين حالهم وحال هذا الطفل، فشاع القول بأن “المغرب حرّك جبلاً لإنقاذ مواطن واحد، وجبلنا (في إشارة الى رئيس الجمهورية) لم يتحرك لإنقاذ شعب بأسره”.

إن هذا الحدث على محدوديته يثير تساؤلات لامحدودة تتعدّى العاطفة البريئة التي دفعت كل فردٍ منّا الى التعاطف مع ريان بطريقته، فنحن أفراد محبطون لم ينجُ من بيننا ريان أمس، فهل ننجو نحن غدا؟

شارك المقال