الحريرية الوطنية بعد 17 عاماً.. ثبات الثوابت

ميرنا سرور
ميرنا سرور

على بعد أيام قليلة من قرار الرئيس سعد الحريري تعليق مشاركته في الحياة السياسية، وعلى وقع الانهيار الى الدرك الأسفل من جهنم الدويلة، تأتي الذكرى السابعة عشرة لاغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. ثلاثة عقود واجهت خلالها الحريرية الوطنية، أباً وابناً، كل أشكال التهديد، فكانت خير من أتقن تدوير الزوايا ونسج التفاهمات وربط النزاعات.

لخص سعد الحريري مسوغات وجود الحريرية بسببين: “الحفاظ على السلم الأهلي” و”حياة أفضل للبنانيين”، وبالفعل كان هذان الثابتان قائمين مع الحريري الأب كما الابن. دخل الحريري الأب السياسة من بابين، أولهما الطائف، فكان السلم الأهلي، وثانيهما مسيرة اعادة الإعمار، فكان السلم الأهلي.

أتقن الحريري الأب فن التسويات والتفاهمات، فحافظ على السلم الأهلي حتى بوجود الاحتلال السوري، وربط النزاع السياسي ليطلق بالمقابل عجلة النمو الاقتصادي، الى أن قرر يوماً مواجهة الاحتلال وأتباعه بعدما لمس أن ميزان القوى الدولي بدأ على الأرجح يميل الى كفة التحرير، فكانت مواجهة انتهت باغتياله في الرابع عشر من شباط 2005.

الحريري الابن كذلك أتقن فن التسويات والتفاهمات، فحافظ على الثوابت ومعها على السلم الأهلي، غير أن المواجهة التي كُتب على الحريري الابن خوضها كانت أقسى وأشد ضراوةً من تلك التي خاضها والده، بحيث كان عليه مواجهة احتلال داخلي لا خارجي، احتلال فرضه طرف “لبناني” له تمثيله في البرلمان، وله عضلاته التي لم يتردد في استخدامها في الداخل في السابع من أيار 2008.

استنفذ الحريري الابن طاقته في نسج التفاهمات حفاظاً على السلم الأهلي، من احتواء تداعيات 7 أيار إلى اتفاق الدوحة الى زيارة دمشق إلى انتخاب ميشال عون إلى قانون الانتخابات، وغيرها، وكان ذلك على حسابه الشخصي.

نجح سعد في حماية السلم الأهلي، وسنّة لبنان اليوم أفضل حالاً بأشواط من سنّة سوريا والعراق واليمن، هم بقوا آمنين في بيوتهم بمنأىً عن ويلات الحرب. كان يدرك أن الحرب اللبنانية الداخلية أُنهيت لا انتهت، وأن أسبابها الموجبة لا تزال قائمة حتى اليوم، لا بل باتت أشد قسوة.

منع سعد الحريري الاقتتال، لكن في المقابل، وعلى الرغم من محاولاته الصادقة لاطلاق عجلة النمو، كان النجاح محدوداً، فوسط ساحة الأزمات الاقليمية، وغابة المحاصصات الداخلية، كانت مساعيه نقطة في بحر التعطيل والابتزاز الذي واجهه من كل حدب وصوب.

حاول استثمار علاقاته لانتشال لبنان من أزمته قبل أن تشتد، فكان مؤتمر “سيدر” وسلسلة اصلاحات تترافق معه، اصطدمت بجدار التعطيل القائم بفعل قوى الأمر الواقع، حتى محاولته الأخيرة لتشكيل حكومة انقاذ وفق المبادرة الفرنسية اصطدمت بالجدار نفسه.

حلقة مفرغة دار فيها سعد الحريري مكرهاً، حاول كسرها من دون جدوى، فاختار أخذ استراحة محارب، استودع قبيلها الله بلده الحبيب لبنان وشعبه الطيب، فيما السؤال الذي يتبادر الى أذهان اللبنانيين اليوم واحد، ما مصير سلمنا الأهلي الذي حمته الحريرية الوطنية حتى اليوم؟!

شارك المقال