التعددية القطبية… فصل جديد في السياسة العالمية

حسين زياد منصور

بعد أن تمكن التنين الصيني من إزاحة النسر الأميركي عن عرش العالم الاقتصادي، ها هو الدب الروسي يستعيد هيبته العسكرية التي فقدها منذ عشرات السنين إثر انهيار الاتحاد السوفياتي، الذي استغلته الولايات المتحدة الأميركية لفرض هيمنتها سياسياً وعسكرياً واقتصادياً على العالم أجمع.

العودة الروسية القوية الى الساحة العالمية سياسياً وعسكرياً والنهضة الاقتصادية الصينية تؤكدان تراجع الدور الأميركي العالمي على مختلف الأصعدة.

التدخل الناعم الذكي

تمكن الرئيس فلاديمير بوتين من إعادة هيبة روسيا وحضورها السياسي والعسكري والاقتصادي، وأجبر الحلفاء والأخصام على الاعتراف بوريثة الاتحاد السوفياتي (روسيا) كقطب عالمي له وزنه، من خلال الترسانة العسكرية الهائلة التي تمتلكها وسياسة التفاوض التي تتبعها الى جانب القوة الاقتصادية التي تكبر كل يوم خاصة على صعيد الطاقة وأقرب مثال هو الغاز الروسي الذي لا بديل عنه لدى الأوروبيين.

هذا الاحترام الذي اكتسبته روسيا لم يكن صدفة بل نتيجة للسياسة البوتينية، فالرئيس المخضرم مخابراتياً وعسكرياً وسياسياً، تمكن من استغلال نقاط ضعف خصمه الأميركي، بزيادة النفوذ في مناطق مختلفة من العالم، وظهر ذلك جلياً في العام ٢٠٠٨ في حرب اوسيتيا الجنوبية في جورجيا، وقلب الموازين إثر التدخل في الحرب السورية، وضم شبه جزيرة القرم، وأخيراً العملية العسكرية في أوكرانيا التي بدأت منذ أيام، وكل ذلك من دون التواجه المباشر مع الأميركيين.

يمكننا القول اننا أمام مرحلة مفصلية، فالأحادية القطبية أصبحت في خبر كان، حتى أننا لن نشهد ثنائية قطبية، بل تعدد في الأقطاب، فالولايات المتحدة الأميركية ستتشارك منصب حاكم العالم مع أعدائها، اذ أن الصين طاردتها اقتصادياً وجارتها روسيا عسكرياً وسياسياً.

هزيمة الأميركيين هذه كانت من صنع أياديهم، فسياسة القوة والتدمير التي اتخذوها من دون وجود رادع، وضعف الحنكة السياسية في السنوات الماضية عند القيادات الأميركية وأتباعهم الأوروبيين كانت الثغرة التي انطلق منها الروس لتحقيق مكاسبهم المسلوبة بعد العام ١٩٩١.

واليوم بعد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وفي ظل الرعب الذي دب في نفوس القادة الأوروبيين والأميركيين وعدم تدخل جيوشهم بشكل مباشر لرد “الغزو الروسي” كما سمّوه، يظهر الضعف والتشرذم في ما بينهم، والنتيجة ستكون رضوخهم المباشر لمطالب الروس بعد تحقيق أهداف هذه العملية العسكرية، وبالتالي الاعتراف العلني بروسيا كقوة سياسية – عسكرية – اقتصادية لا يمكن تجاهلها والاستهانة بها.

شارك المقال