أنا الـ”uncivilized” المتضامن مع نازحي أوكرانيا

ميرنا سرور
ميرنا سرور

تدفع الفطرة السويّة عادةً بالإنسان الى التعاطف مع الضحية، أياً كان هذا الكائن الضحية، وهو ما حدث بالفعل إبّان الاجتياح الروسي لأوكرانيا، حيث تعاطف العالم، شرقه وغربه، مع الشعب الأوكراني. هذا التعاطف السليم “إنسانياً” طبيعي ومتوقع، أمّا غير المتوقع فهو ما أتحفتنا به تغطية بعض الإعلام الأوروبي للنازحين الفارّين من الأراضي الأوكرانية ووجوب التعاطف معهم من منطلق عرقي ليس إلّا!.

“إنهم أوروبيون، ليسوا أبناء دولة عالم ثالث غير متحضرة”، و”هم لم يأتوا من العراق وأفغانستان”، و”ليسوا نازحين، إنهم ذوو بشرة بيضاء وعيون زرقاء”، و”هم أوروبيون مسيحيون”… هذا ما كانت تنقله تغطيات القنوات الإعلامية الأوروبية في خضم الحرب والمعاناة الإنسانية.

وسعى الإعلام الأوروبي، عن قصد أو من دونه، الى رسم معايير “التحضّر” من حيث بلد المنشأ ولون البشرة وزرقة العيون. وفي محاولة لفهم أسباب هذه التصريحات العنصرية، سنحاول أن نستقرئ تبعات أزمة النزوح الشرق أوسطي على أوروبا في “المايكرو” لا “الماكرو”، أي على مستوى الأفراد لا البلدان ككل.

قد نرى في هذه التصريحات، الى جانب العنصرية، شيئاً من “الأنوية الحضارية”، وهو مصطلح متعارف عليه في علوم “الأنتروبولوجيا”، ويعني مغالاة حضارة ما بتمجيد نفسها، تماماً كما هو الحال مع الحضارة الغربية اليوم، بحيث تعتبر أنها مصدر “التحضّر” الوحيد، وأن كل ما سواها “غير متحضّر” وغير جدير بالإنسانية.

وعن الوقائع والأسباب الموجبة التي دفعت بالأوروبيين خصوصاً والغرب عموماً، أفراداً لا جماعةً، الى تصنيف اللاجئين بين “متحضرين” و”غير متحضرين”، لا بدّ من بحث أزمة اللجوء التي اشتدت خلال العقد الماضي، فاليوم وبحسب مفوضية اللاجئين يبلغ عدد النازحين الذين أجبروا على ترك منازلهم 82 مليوناً تقريباً، وهؤلاء اضطروا للعيش في مجتمعات مختلفة عن تلك التي نشأوا فيها وأتوا منها. إن هؤلاء النازحين ساهموا بطريقة أو بأخرى في تغيير وجه المجتمعات التي دخلوا إليها، وأدخلوا معهم عادات وتقاليد وأعراف مغايرة لتلك التي تبنتها المجتمعات المضيفة طيلة عقود مضت.

“الإنسان صديق ما يألف”، والمجتمعات الأوروبية المضيفة تألف بعضها، فهي متشابهة شكلاً وأسلوباً ونمط عيش. هذا لا يبرر طبعاً العنصرية وحصر الحق بالتعاطف بمن يشبهوننا شكلاً ومضمونأ، إنّما هي محاولة لفهم هذا السلوك، فلو كنا نحن في المقلب الآخر لكنّا تعاطفنا مع “أبناء جلدتنا” واتهمنا القادمين من مجتمعات غربية بهدم قيمنا وتقاليدنا وأعرافنا.

لسنا في صدد تبرير هذه التصريحات التي خرجت عن المألوف والمقبول إنسانياً إنما في صدد فهمها وتفهمها، سعياً منّا الى الحفاظ على ما ترسخ في تربيتنا من مفاهيم إنسانية سامية، فأنا الشرق أوسطي غير المتحضر لا زلت متضامناً مع نازحي أوكرانيا، تماماً كما أنا متضامن مع كل فردٍ من هؤلاء الـ82 مليوناً الذين أُجبروا مكرهين على ترك منازلهم وحطّوا رحالهم في أرضٍ غربية عنهم، هويةً وهوىً.

شارك المقال