الحرب الروسية فجرت النفاق الغربي

حسين زياد منصور

ما إن أعلنت روسيا عن عملية عسكرية خاصة في الأراضي الأوكرانية حتى اصطف الأميركي والأوروبي الى جانب الأوكراني، وحملا رايته. هذا التضامن السريع والحميم لفت انتباه جميع شعوب العالم، وفي مقدمهم الشعب العربي، فالتعاطي مع ما يجري في أوكرانيا مقارنة بالأزمات التي عصفت بالدول العربية، أظهر عنصرية الغرب وتمييزه بين القضايا العالمية والمصيرية.

منذ بدء العملية العسكرية، تسابق قادة العالم الغربي الى إدانتها، ووصفها بالغزو والاعتداء غير المبرر على دولة تتمتع بالاستقلال والسيادة، وهرعوا الى فرض العقوبات على الروس.

أظهرت العملية حقدا أميركيا – أوروبيا على الروس، خاصة بعد شبه الاجماع الدولي الذي أمنته الولايات المتحدة الأميركية وأتباعها الأوروبيون لادانتهم.

هذه اللهفة الغربية تجاه الأوكرانيين لم نشهد نسبة ضئيلة منها تجاه القضايا العربية، والتي كانت مصيرية ومحقة أكثر. استنفرت دول العالم من أجل “الشعب الأوكراني الذي يعاني من الغزو الروسي”، وهي نفسها من رفضت ادانة إسرائيل لاغتصابها الأراضي الفلسطينية والمجازر التي ارتكبتها بحق الشعبين الفلسطيني واللبناني، ورفضت التحرك عندما هاجمت دولا عربية تتمتع بالسيادة واحتلت أجزاء منها.

الأميركي الذي يعارض العملية العسكرية التي أعلن عنها الرئيس فلاديمير بوتين لحماية الأمن القومي الروسي، هو نفسه الذي دمر العراق واستباح أراضيه وقتل أبناءه وهجرهم وسرق خيراته وثرواته، وأعدم رئيس البلاد على مرأى من جميع رؤساء العالم وشعوبه بحجة الأمن القومي الأميركي، علما أن العراق والولايات المتحدة تفصل بينهما دول وقارات ومحيطات.

الأميركيون هم أنفسهم من دمروا ليبيا ونهبوها من دون أن يتحرك المجتمع الدولي، ولا يمكن نسيان “برودة” استقبال اللاجئين السوريين والعراقيين والتمييز العرقي والديني.

كشفت العملية العسكرية الروسية الانفصام والنفاق الغربي في التعامل مع القضايا المهمة والمصيرية في مختلف دول العالم، فتجلت العنصرية والتمييز بأبهى حللهما، والرحمة والتعاطف مع أوكرانيا بلغا ذروتهما في حين لم يشهد العراق وسوريا واليمن وفلسطين ولبنان ومصر ذرة من هذا التعاطف، ربما لأن الأوكرانيين من ذوي البشرة البيضاء والعيون الزرق ولا يلبسون العباءات، أو لأن دولتهم تعتبر متحضرة ومتقدمة!.

ولم يقتصر النفاق الغربي على التعاطف مع “معاناة الشعب الأوكراني” بل تعداه الى التمجيد “بالمقاومة الأوكرانية للغزو الروسي”، من بسالة الرجال المقاتلين المضحين بأنفسهم في وجه العدو الى ذاك الذي فجر نفسه بالدبابة الروسية، وهذه كلها أعمال بطولية يمجدها الغرب لكنها في الوقت نفسه أعمال إرهابية اذا نفذها الفلسطينيون في وجه الاحتلال الإسرائيلي.

يمجد الغرب رد الفعل الأوكراني من تشكيل مقاومة ضد الروس وفتح باب التطوع في مختلف دول العالم للانضمام اليها، ويعتبرونها تضحيات وصمودا وبطولات ومثالا للشجاعة، في حين أن كل ما قدمته المقاومات العربية من فلسطينية وعراقية وغيرها في وجه الاسرائيلي والأميركي كانت عمليات إرهابية.

انهمك العالم بفرض العقوبات على روسيا، وتم حرمانها من المشاركة في مختلف المحافل الثقافية والرياضية الدولية فضلا عن فرض عقوبات على شخصيات روسية مهمة بسبب العملية العسكرية. وهم أنفسهم من عزلوا روسيا عن العالم رفضوا مقاطعة الكيان الاسرائيلي على الرغم من كل مخالفاته وتجاوزاته بحجة معاداة السامية.

في النهاية، لم يتضرر الأوكرانيون من هذه العملية بقدر ما تضرر العرب من غدر الأوروبيين والأميركيين بهم منذ مئات السنين مرورا بفترة الاستعمار والحروب العالمية والنكبة والنكسة وحروب الخليج والاعتداءات الإسرائيلية… لا بأس ان ذاق الغرب السم الذي لطالما دسه في بلاد العرب، لا سيما أن العملية العسكرية فجرت النفاق الغربي وعنصريته.

شارك المقال