الانتخابات سلاح بيد شباب لبنان

عبدالرحمن قنديل

لا شك أن الانتخابات النيابية محطة مفصلية تاريخياً في الحياة السياسية في لبنان، ولكن بعد الجهنم الاقتصادي الذي ألقى بظلاله على اللبنانيين عموماً، والشباب خصوصاً منذ السابع عشر من تشرين الثاني ٢٠١٩ حتى يومنا هذا، وبعد كل النكسات التي مني بها على مختلف الصعد الحياتية، هل الشباب المقيم أو المغترب حقاً بات مؤمناً بأي تغيير في صناديق الإقتراع؟

شكل تاريخ 17 تشرين بالنسبة الى الشباب وخاصة خريجي الجامعات، نقطة تحول أساسية في حياتهم، بالتزامن مع بداية الإنهيار الذي شهدته البلاد على الصعيد الاقتصادي وتسبب بالآتي:

– تعطيل مستقبلهم على الصعيد المهني، وجعله رهينة الإنهيار ومساراته إلى أجل غير مسمى ولا سيما بالنسبة الى حاملي الشهادات الجامعية، فقد بات هامش الاستثمار في مستقبلهم يضيق يوماً بعد يوم بالتزامن مع ارتفاع معدلات البطالة، التي تخطت لدى الشباب في العام الماضي الـ ٣٥.٧% بحسب إدارة الإحصاء المركزي، وهذا ما جعل حلم الهجرة من البلاد يراوده بحثاً عن واقع أضمن لمستقبل أفضل.

– تعطيل استكمال مسارهم التعليمي، بسبب زيادة الأقساط الجامعية المتزامنة مع تصاعد الإنهيار.

لذلك، ومع الاصطدام بالأمر الواقع مبكراً، أصبح للشباب هاجس بل خوف على مستقبله والغد الذي كان يخطط من أجله باعتبار أنه يحمل له الأفضل. ولكن الواقع الحالي زاد من التضييق على مستقبله وبات يحاصره يوماً بعد يوم إلى أن أصبح مخطوفاً من قبل الانهيار وتداعياته.

موضوع الهجرة صار الحديث اليومي والروتيني لدى الشباب المقيم، وعندما يعرف أن صديقاً من أصدقائه أو جاراً من جيرانه تمكن من إيجاد فرصة عمل خارج البلاد والاستقرار هناك، يتصرف على مبدأ “هم السابقون ويا ليت باستطاعتنا أن نكون اللاحقين”، ويبذل قصارى جهده وبشتى الوسائل كي يكون من اللاحقين وكأنه لشدة اليأس والإحباط يريد القفز من سفينة تغرق به باحثاً عن طوق نجاة.

لهذه الأسباب، أصبحت أولوية الشباب موزعة بين من يفكر في الانتخاب، وبين من اتخذ قراره وبشكل حاسم بمقاطعة الانتخابات، ومنه المتردد بسبب الهاجس من أن ينتخب الوجوه نفسها ولو كانت اللائحة مستترة بشعارات التغيير، وآخر يعتقد أن الورقة البيضاء هي صوت لتسجيل الإعتراض على واقعه المرير، بأن الأولوية الأساسية هي لقمة العيش والبنزين، وكيفية بقاء راتبه حتى آخر الشهر، وكأن الانتخابات حدث عابر لا قيمة له إن حصل أم لم يحصل باعتباره لزوم ما لا يلزم أو كما هو متعارف عليه في مجالس المجتمع المحبط “ما هيك هيك طالعين”، وهي عبارة نابعة من اليأس وفقدان الثقة بالدولة والانتخابات التي تفرز الوجوه نفسها، ناهيك عن التشكيك في حصول الاستحقاق في موعده أو كما يقال في المجالس الخاصة “هيدا إذا صار في انتخابات”.

وبالإنتقال إلى الشباب اللبناني المهاجر، وبعدما تبين الاقبال الكثيف من قبل المغتربين على المشاركة في الانتخابات المقبلة وفقاً للأعداد التي أقبلت على التسجيل مؤخراً، فان للمغتربين الشباب الحصة الوازنة من هذه الكثافة باعتبار أنهم سجلوا للإقتراع من أجل الإنتقام من المنظومة الحاكمة التي ساهمت وبشكل رئيس في إيصالهم إلى الإنهيار، فلا طريق أمامهم نحو التغيير إلا صندوق الإقتراع. وعلى الرغم من حماسة الشباب المغترب للتغيير إلا أن علامات التردد بقيت موجودة لدى شريحة لا يستهان بها، نظراً الى صعوبة الاختيار بينها من جهة، وخوفاً من تسلل الأحزاب التقليدية الى هذه اللوائح من خلال استغلال التشتت الحاصل داخل القوى التغييرية. كما أن التشكيك بإمكان حصول الإنتخابات في موعدها أيضاً سبب أساس في التردد لأن ما يجمع الإغتراب يجمع الشباب المستمر في البقاء وهو عدم الثقة بدولته وبالوجوه التي اعتاد عليها في الحياة السياسية اللبنانية.

إن الإستحقاق الإنتخابي المقبل أمر أساس لمراقبة توجهات الناس من جهة وتوجهات الشباب بشكل خاص من جهة أخرى، بعدما غيّر هذا الإنهيار مسار شعب بأكمله فأصبحت غالبية شبابه مهجرة والبقية أولويتها كيفية البقاء والإستمرار مع السعي الى فرصة للالتحاق بركب المهاجرين لتأمين غد أفضل لها ولأسرتها، فمع هذه الأزمات المستمرة كيف سيترجم الشباب غضبه انتخابياً وبأي وسيلة؟

إن أيار لناظره قريب…

شارك المقال