المفتي حسن خالد بحجم وطن

عبدالرحمن قنديل

لا شك أن المفتي الشهيد حسن خالد شكل علامة فارقة في تاريخ لبنان عموماً والتاريخ الاسلامي البيروتي خصوصاً، اذ أنه من الرجال القلائل الذي تميز بميزة قل ما تراها عند أي رجل وهي “التمرد على الواقع”.

هذه الخاصية فريدة ونادرة لا يحملها كثر ولا يتقنها كثر وربما وفق وجهة نظر كثيرين اما عرفوه أو عايشوا حقبته أن هذه الخاصية ربما كانت سبباً مباشراً لاغتياله، لأنها لم تكن تناسب نظام حافظ الأسد المجرم وتسبب له ضرراً بالغاً كلما ارتفعت حدتها.

فقد كان المفتي الشهيد صوت المسلمين وملجأهم الآمن في اللحظات المفصلية التي مرت بها البلاد، من خلال مواقفه التي لا تزال بصمتها لدى الشارع الاسلامي لا تنسى.

ومع شخصيته القريبة من الناس والمحببة لديهم، كان في ذروة الحرب الأهلية متمسكاً بوسطيته واعتداله وبالعيش المشترك بين المسلمين والمسيحيين ومنادياً بالوحدة الوطنية بين سائر المكونات، وكان الأقرب إلى جميع القوى السياسية في تلك الأيام. وشكلت هذه الوسائل الذراع الأساسية لمعارضته الاقتتال وتمرده على الحرب الأهلية من خلال المبادرات الوطنية والتنسيق الكامل والفاعل مع المرجعيات الوطنية للحض على وقف الاقتتال وتوطيد الوحدة الوطنية بين ابناء الوطن الواحد.

يشهد للمفتي حسن خالد أنه كان رأس حربة المواجهة بمعناها الحقيقي، وصاحب مواقف صلبة لا يمكن أن تهتز نابعة من صوت الشارع ومواقفه فكان السباق في نقل هذا الصوت أمام الملأ. فالجيل الذي عايش الشهيد لا ينسى أنه كان المبادر الى اعطاء الغطاء الكامل لأهل بيروت لمقاومة العدو الإسرائيلي في العام ١٩٨٢خلال خطبة العيد التي ألقاها في الملعب البلدي في الطريق الجديدة آنذاك.

شكلت هذه الخطبة علامة انطلاق لمقاومة المحتل الاسرائيلي وتحرير بيروت من الغزاة وغطاء كاملاً لعدم الاستسلام أمام الدبابة الاسرائيلية، وكانت بوابة للنصر أمام قوات الاحتلال، فليس صدفة أن تسمى ساحة الملعب البلدي باسمه تخليداً لذكراه ومواقفه التي لا تزال تروى وتسرد داخل بيئتنا ويتداولها من عاشوا زمن المفتي الشهيد ويترحمون على أيامه.

ساهمت مواقف المفتي الشهيد في توحيد المسلمين زعماء وشيوخاً وشعباً، فكانت دار الإفتاء في عهده ملاذاً آمناً للمسلمين، ومركزاً لتوحدهم خلف هذا الصرح إن كان في المسائل الوطنية التي تكرّس مبدأ الاعتدال داخل المجتمع الاسلامي أو في المسائل التي تتعلق بالشأن الاسلامي الداخلي. وكانت تلك المواقف نابعة من معاناة الناس وآلامهم، لا من خلال املاءات خارجية أو ابتزازات من أي طرف كان، على الرغم من تمتعه بعلاقات عربية واسعة إن كان على المستوى السياسي أو حتى الديني.

كانت شجاعة المفتي خالد لا تأبه للترهيب فناضل في وجه الميليشيات التي حاولت استباحة بيروت وترويع أهلها وأعطى الضوء الأخضر للبيارتة من أجل الصمود والدفاع عن أنفسهم في خطبة عصماء ألقاها في جامع الامام علي في الطريق الجديدة حذر فيها المتلاعبين والعابثين بأمن بيروت من مغبة خطواتهم، ما أدى الى توقف هذه التعديات تدريجياً على الرغم من رسائل التهديد من النظام السوري المجرم، الذي كانت الميليشيات آنذاك تابعة له.

وحين استعرت المواجهات بين النظام السوري الذي كان يحتل بيروت من جهة وقائد الجيش آنذاك ميشال عون من جهة أخرى، تمرد المفتي الشهيد على بطش النظام السوري وممارساته ضمن الأحياء البيروتية وسمّى الأمور بأسمائها، متهماً اياه بصورة مباشرة بالعبث بأمن بيروت وترويع أهلها، وكان يعلم أن ضراوة المواجهة مع نظام حافظ الأسد ستؤدي حتماً إلى الإغتيال الجسدي ولكنه ظل مستمراً في عمله مدافعاً بشراسة عن بيروت وأهلها حتى استشهد بتفجير في ١٦ أيار في منطقة عائشة بكار.

لا تزال سيرة المفتي حسن خالد يتداولها الشارع الاسلامي عموماً والشارع البيروتي خصوصاً، ومواقفه وخطبه خالدة في أذهانهم ووجدانهم حتى عندما يسمعون شيخاً بطلاً يتكلم عن وجع اللبنانيين نتيجة بطش سلطتهم الفاسدة يشبهونه تلقائياً بجرأة المفتي الشهيد ودفاعه عن الحق وقول الحقيقة من دون خوف أو تردد.

شارك المقال