الروح السنية النيابية تائهة بغياب الحريري

حسين زياد منصور

أثبتت جلسة التعارف النيابية الأولى ما توقعه الرئيس سعد الحريري قبل الاستحقاق الانتخابي، فالرئيس نبيه بري دخل الجلسة رئيساً للسن وجلس على كرسيه وتربع على عرش المجلس للمرة السابعة توالياً، اما النائب الياس بو صعب فجلس على مقعد ايلي الفرزلي نائباً للرئيس في الدورة الثانية بعد مزاحمة من زميله غسان سكاف، والنتيجة كانت سيطرة ٨ آذار على المجلس النيابي.

استعرضت جميع الكتل عضلاتها أثناء جلسة الهرج والمرج، وكان الرئيس بري بحسه الفكاهي كعادته ضابط الإيقاع والانضباط، لكنه دخل المجلس للمرة الأولى منذ سنوات في غياب حليفه السني تيار “المستقبل” بكل أركانه عن المقاعد البرلمانية، وعلى الرغم من كون “المستقبل” تتمثل من خلاله كل الطوائف الا أنه يبقى الممثل الأكبر للطائفة السنية.

بين جميع المكونات التي أثبتت حضورها انطلاقاً من الثنائي الشيعي الذي ثبّت أقدامه في رئاسة المجلس، والمكون المسيحي الذي شهد صراعاً بين العونيين والقواتيين في الدرجة الأولى، والدروز الذي كانت كتلة تيمور جنبلاط الممثل الأبرز لهم، كان واضحاً غياب كتلة سنية بارزة، فالفراغ الكبير الذي تركه الرئيس الحريري وتياره لم يتمكن أحد من ملئه، وبدا واضحاً التشرذم عند النواب السنة.

وتلفت مصادر متابعة الى أن العمل جار للم شمل النواب السنة المقرّبين من خط تيار “المستقبل” بين بيروت والبقاع والشمال، ضمن جبهة موحدة، ويستطيع الرئيس الحريري بإيعاز منه جمع كتلة لا يستهان بها من النواب الحاليين، ما يؤدي الى رسم المعادلة من جديد، وهذا كله إن أراد العودة عن قراره تعليق العمل السياسي، وهو أمر مستبعد حالياً.

ان الفشل في هذه المساعي ستكون مفاعيله واضحة خلال الاستشارات النيابية لتسمية رئيس للحكومة، وعدم وجود أي ممثل عن نادي رؤساء الحكومات السابقين الذي شكل درعاً وغطاء لأي مرشح للرئاسة تتم محاربته.

صحيح أن الرئيس الحريري أصاب في قراءته لما بعد الانتخابات، الا أنه أرسى المعادلة الصعبة “الأقوى في طائفته”، وهذا ما ظهر على أرض الواقع بدءاً من اعلان تعليق عمله السياسي، وعلى الرغم من غزارة اللوائح والمرشحين الا أن لا وريث للحريري وتيار “المستقبل”، وحتى من خالف قرار التيار وترشح مستقلاً، عاد الى منزله خائباً بعدما مني بهزيمة نكراء، ولعل أبرز هؤلاء النائب السابق مصطفى علوش الذي سقط في عقر داره طرابلس، أو حتى رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة الذي دعم لوائح ومرشحين عدة وفشل في إيصال سني واحد على الأقل. ويتضح من ذلك أن الغطاء الحريري هو السبيل للوصول الى المجلس.

اما النكسة الكبرى فكانت لدى النائب فؤاد مخزومي الذي ظن لوهلة أن غياب الحريري عبّد له الطريق للوصول الى الزعامة السنية، فمن لائحته “بيروت بدّا قلب” لم يتمكن سواه من النجاة في معركة “بيروت الثانية”، فلا أمواله ساعدته ولا تصريحاته الهجومية الحادة شفعت له في كسب ثقة الناخبين السنة البيارتة.

أثبت الرئيس الحريري من خلال الانتخابات النيابية أن تأثيره لدى الطائفة السنية لم يهتز، على الرغم من الحالة التي عاشها لبنان خلال السنوات الماضية من ثورة وفوضى وانفجار اجتماعي واقتصادي.

شارك المقال