صيغة “اللاتسمية”… موقف أم مسودَّة نظام جديد؟

كمال دمج
كمال دمج

بمعزل عن نيران المواجهات بين الأقطاب العالمية، على الرغم من عدم حياده، يقبع لبنان اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، تحت سخط التآمر الداخلي القائم على أُسُس طائفية وعقائدية مقيتة ومخاوف سخيفة بُنيت على أفكار هجينة من وحي الحفاظ على الوجود الأقلَّوي وصون الهوية، أثبتتْ من حين إلى آخر، رهولتها وضراوتها على الأرض، ليس في لبنان وحسب، بل في محيطه الشرق أوسطي الشبيه به نسبياً، في ظل الاستغلال الدولي وعدم القدرة عربياً على توحيد الرؤية والجهود في سبيل صرف المسبب الحقيقي للتشرذم داخل معظم دول العالم العربي، بعيداً عن التشوُّف على الادارة الأميركية.

فهل يمكن للبنان تخطي مرحلة سيادة “التألُّه” وانحلال النظم وانحسار الأخلاق السياسية والوطنية، نحو تحسين في النظام؟ أم سيكون أمام الانتقال نحو نظام جديد غير مفهوم المعالم، يُكتب بالدماء، في ظل تنوع الطروحات المترافق مع احتقانٍ كبير؟

بعد شهر ونيّف على إجراء الإنتخابات النيابية، وبعد كل التضليلات حول نتائجها، نرى بأم العين أموراً واقعية رافقت إستحقاقات مهمة، تدلُّ من حيث مجرياتها على صعوبة المرحلة المقبلة على صعيد استكمال تشكيل المؤسسات، وخاصة في إستحقاق انتخاب “دينامو” الحياة الدستورية، رئيس الجمهورية، الذي يحتاج إنتخابه الى توافق ثلثي أعضاء المجلس النيابي على اسمه، تزامناً مع منافسة “على المنخار” بين قطبَي المجلس، وبروز المرشَّح الجديد “لا تسمية”، ومع ما يأخذه هذا الإمتناع من طابع طائفي فئوي ومحاولة إظهار للأحجام تنذر بانحلال العقد الاجتماعي بين أبناء هذا البلد.

فبعد تبوُّؤ رئيس مجلس النواب ونائبه منصبيهما بنسبة هزيلة من الأصوات وبصعوبة، دعا رئيس الجمهورية ميشال عون – وكعادته متأخِّراً – الى استشارات نيابية ملزمة أسفرت نتائجها تكليفاً للرئيس ميقاتي، ملغوماً من حيث الميثاقية “المسيحية” – للمرة الثالثة على صعيد رئاسة الحكومة في هذا العهد – ومن حيث التوقيت والخيارات المطروحة وتوازنات الثقة من عدمها داخل المجلس النيابي، في ظل وجود معارضة شديدة غير نافعة، مصابة بالتفرقة والخلاف، ما يفتح المجال لصراع على الصلاحية بالحكم بين مختلف مكونات السلطة الحالية، عدا عن حكم الأمر الواقع للسلاح غير الشرعي.

فما بين حلم النظام الرئاسي لدى الموارنة، ونظام “المثالثة” لدى الشيعة، وتغيُّب الاعتدال والرصانة السنية، وتململ الأقليات في اتخاذ المواقف، سقط لبنان ضحية “اللانظام” وضحية نظرية “أنا أو لا أحد” في الحكم، مع الوصول فعلياً إلى مرحلة اللاحكم مع حكومة تصريف أعمال ورئيس مكلف غير قادر على التشكيل وفراغ رئاسي طويل بسبب العقم الحقيقي لدى المجلس الجديد على تمرير الاستحقاقات المهمة، ما ينذر فعلياً بمرحلة تكبيل تام لسبل الحكم والنظام، والذي يؤدي حتماً الى ضرورة إجراء انتخابات نيابية مبكرة، الحل الوحيد مبدئياً في ظل استحالة عقد مؤتمر تأسيسي لمرحلة إنتقالية برعاية دولية نظراً الى الصراع القائم.

تعددت الأسباب ومصير لبنان واحد، أن يبقى عزيزاً على الرغم من كثرة الغدر، بشرفاء كتب عليهم أن يعيشوا في امتحان دائم لوطنيتهم ولصمودهم وعنفوانهم في وجه التحديات. هكذا كتب علينا أن نصارع الأزمات لنحيا أعزَّاء. فلنناضل بوعي لإعادة النبض الى لبنان.

شارك المقال