الجهل واللاوعي يجرّدان لبنان من لقبه الأخضر

حسين زياد منصور

كما في بداية كل صيف، يجدد مسلسل الحرائق نفسه لموسم جديد، وهذه المرة كانت افتتاحيته بحريق ألواح الطاقة الشمسية التي احتلت أعداد كبيرة منها أسطح منازل اللبنانيين في ظل غياب كهرباء الدولة والارتفاع الكبير في فواتير اشتراكات المولدات، ومنذ أيام كان لمعمل قبلان للسجاد حصة من هذه الحرائق.

وتبقى الغابات والأحراج نجمة هذا المسلسل الذي يرجح أن يكون كارثياً هذه السنة في ظل المشكلات والأزمات التي يعاني منها لبنان.

وعلى الرغم من اعلان وزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال ناصر ياسين عن القيام بحملات توعية على مختلف الأراضي اللبنانية بالتعاون مع البلديات لتنظيف الغابات والأحراج بغية تفادي الحرائق، الا أنها لا تزال تنشب بفعل فاعل كما جرى منذ يومين في رومية.

وبالعودة الى الوراء خسر لبنان في السنوات الـ ١٥ الماضية ما يقارب ٣٦٠ مليون متر مربع أي ما يعادل ٩.٨ ٪ من مساحاته الخضراء، التي تبلغ حوالي ٣٦٦٠ مليون متر مربع ما يساوي ٣٥٪ من مساحة لبنان.

يقول رئيس “الحركة البيئية اللبنانية” بول أبي راشد عن العوامل التي تؤدي الى نشوب الحرائق: “إن عامل الطقس من الأسباب الأساسية وهو أمر طبيعي، فعندما يكون الطقس ماطراً وشتوياً يختلف عن الوقت الذي تكون فيه الأعشاب يابسة والحرارة مرتفعة جداً. هنا يجب التركيز على نقطة مهمة وهي التغير المناخي، فعلى الرغم من الطقس الحار خلال فصل الصيف، نشهد هبوباً للرياح، إذاً هناك عامل جديد وأساس في انتشار الحرائق دخل على فصل الصيف، وهو أمر مختلف عن السنوات الماضية، اذ لا أذكر أن الصيف كان كذلك منذ عشرات السنين”.

ويوضح أن “التغير المناخي من ارتفاع حرارة الأرض الى جانب ظهور الرياح في فصل الصيف، هذه العوامل قادرة على تحويل أي حادث صغير كان يحصل في الماضي الى كارثة اليوم، فعلى سبيل المثال إذا كانت البلدية تقوم بحرق النفايات داخل مكب يبقى الحريق محصوراً فيه، اما عند هبوب الرياح، فهي قادرة على حمل الشرارة الى الغابة أو الحقل المجاور. الأمر نفسه ينطبق على السجائر، فإن رميت السيجارة على جانب الطريق في ظل هبوب الرياح فقد تشعل حريقاً ومن الممكن أن تنطفئ قبل ذلك. إذاً هذه العوامل الجديدة تلعب دوراً أساسياً في ارتفاع عداد الحرائق”.

ويضيف أبي راشد: “يجب أن نعتبر أنفسنا في حالة حرب، فخلال هذه الفترة هناك من يراقب ويحرس الأمن وهناك من يتسلح للمواجهة، الأمر نفسه في حالتنا هذه، نحن نشهد حرباً على الطبيعة، اليوم إن اختفت الغابات يعني أن المياه الجوفية والينابيع ستتأثر والأراضي الزراعية. لذلك التسلح لمواجهة هذا الخطر ضروري جداً، أي أن نضع حراساً على المساحات الخضراء يكونون واعين ومستعدين للتدخل فوراً وسريعاً عند ظهور الدخان لإطفاء الحريق قبل توسعه وانتشاره، ويتحركون ضمن مجموعات منظمة ومجهزة كي تصل بسرعة الى حين وصول الدفاع المدني”.

ويشير الى أنه “اذا لم تقم الدولة بتعيين حراس للأحراج، فتقع المهمة على عاتق البلديات والتجمعات الشبابية والبيئية في تشكيل مجموعات من أبناء البلدة لحراسة المناطق الحرجية فيها”.

ويؤكد أن “هذه الحرب على الطبيعة جزء منها مقصود والجزء الآخر بسبب التغير المناخي، وتحذيرات وزارة البيئة لا تكفي، بل يجب توزيع أدوات للاطفاء على البلديات أو شراء طائرات مخصصة للاطفاء، وهذا يدل على أن الأموال المخصصة لهذه الحالات لا تصرف بالصورة السليمة وأن الطبيعة في لبنان لا تزال في أدنى اهتمامات المسؤولين، مع العلم أن الخسائر الناتجة عن هذه الظاهرة أكبر بكثير من مصاريف تجهيز مجموعات الحراسة والمراقبة”.

ويشدد على وجوب “أن تحمي الحكومة ما تبقى من غابات، وأن تضع حداً لتجار الحطب، فهؤلاء هم المجرمون لا المواطن الذي يأخذ حطبة أو اثنتين. هذا الموضوع كبير وخطير جداً بحاجة الى تنظيم واعلان حالة طوارئ، أو سيكون لبنان بعد سنوات قليلة بلا أشجار وحياة بيولوجية بسبب الجهل وعدم الوعي المسيطر على مجتمعنا”.

شارك المقال