“حزب الله” يفسخ عقده مع الدولة… “أنا الأقوى”

كمال دمج
كمال دمج

تتسارع الأحداث عالمياً على وقع الحرب الروسية – الأوكرانية وتأثُّراً بأزمة مصادر الطاقة التي تشكل ركيزة أساسية ومحورية للنشاط البشري، وأبرزها في منطقة الشرق الأوسط، وضمناً قضية الحدود اللبنانية – الفلسطينية المتنازع عليها مع اسرائيل التي تشكل عقبة كبرى أمام تأمين المصادر البديلة عن الغاز الروسي للاتحاد الأوروبي، تلك القضية الأكثر تعقيداً وارتباطاً بالعوامل الخارجية والمصالح والمخاوف الدولية، والتحاصص والإرتهان لبنانياً.

فهل أدخل الأمين العام لـ “حزب الله” حسن نصر الله، في خطابه الأخير، لبنان في مواجهة مع الدول الأوروبية وأقحمه في صلب الحرب الروسية – الأوكرانية؟ وهل سيكون لبنان ساحة استعراض إيراني في وجه الترتيبات العربية الناتجة عن “قمة جدة”؟

يأبى نصر الله، في كلِّ مرَّة يكون فيها لبنان قادراً على حل مشكلاته بالتفاوض، أن يلتزم حدود الدولة والقانون، فينصِّب نفسه بطلاً قومياً خارقاً حارقاً متفجراً يضع المعادلات والنظريات التي تعيد لبنان إلى “ما قبل ما قبل التاريخ”، والتي لم ولن تتقبلها فيزياء المؤسسات الدستورية والأصول الديبلوماسية، ولن تصرف إلاَّ في قاموس الاحتلال الإيراني وسيلةً للسيطرة وحفظ المصالح.

لقد جزم الأمين العام للحزب في خطابه الأخير بأن لا حلَّ للبنان سوى باستخراج نفطه. وفعلاً لا شكَّ أنَّه الحل الأسلم للخروج من الأزمة الإقتصادية والانهيار الحاد لكن ليس بالطريقة التي أرادها ويريدها الحزب عبر “اللعب على الحبلين” داخلياً وخارجياً من أجل إبقاء ملفات لبنان أوراق تفاوض بِيَد النظام الايراني.

فبعد أن التزم “حزب الله” بالوقوف خلف الدولة في مسألة الترسيم، عاد اليوم ليفسخ هذا العقد وليتعالى على الدولة التي طوَّبها له بقوة سلاحه، فاختار طريق التصعيد والتهديد عسكرياً تلبية لايران في ملعب التطورات الاقليمية والدولية، بدل السير في الضغط على مفاتيح الملف داخلياً والقائمين بالأعمال بإمرته، من رئيس الجمهورية إلى الأكثرية الحكومية إلى رئيس مجلس النواب والأكثرية النيابية نسبياً، إلى وزير الطاقة ووزير الأشغال والنقل ووزير الدفاع ووزير الخارجية وغيرهم، عبر الذهاب أبعد من “الخط ٢٣” عبر المرسوم ٦٤٣٣، طالما يريد الصراع إلى “ما بعد ما بعد كاريش”.

إنَّ الحزب صادر، منذ زمن ولا يزال، السياسة الخارجية للبنان، حتى أقحمه اليوم إرادياً في الحرب الروسية – الأوكرانية وجعله طرفاً في مواجهة السعي الأوروبي الى تأمين مصدر بديل عن الغاز الروسي، فوضعه موضع ضعف، عالمياً وعربياً، بدل استغلال الحاجة الأوروبية سلمياً وديبلوماسياً في السعي الى الحل السريع والعادل لقضية الحدود الجنوبية، وأردفه شواذاً عن الوحدة العربية الرافضة للاستغلال الأميركي والايراني على السواء وأتبعه بأقصى الشرق المتطرف.

على “حزب الله” أن يعلم أنَّ من أراد للبنان العدالة والحرية والنمو والإزدهار في وجه إسرائيل، وجب عليه أن يريد العدالة لقلب لبنان، لبيروت، العدالة لمرفأ بيروت وضحاياه، العدالة لشهداء الحق والحرية، العدالة لرفيق الحريري ورفاقه، لأن الظلم في أي مكان هو تهديد للعدالة في كل مكان.

شارك المقال