لنخلص من منطق: هم ونحن

عبدالله ملاعب

كَبِرنا، نحن الذين خُلقنا في تسعينيات القرن المنصرم، على عبارة “تنذكر وما تنعاد” التي ردّدها مجتمعنا للتنصل البريء من المسؤولية. تَرَبينا وفي وجداننا صورة مؤلمة عن لبنان بين عامي 1975 و1990. مشهدية عزّزها المنهج التعليمي الذي يخشى كتاب التاريخ فيه من تأريخ الحرب الأهلية، و”يتفزلك” علينا كتاب التنشئة المدنية بتحذيره لنا من تكرار تجربة حرب لا نعرفها ولم نقرأ عنها نصًا واحدًا رسميا صادرا عن “الدولة” التي يعود كتابها الى ما قبل العصور الحجرية ويستثني “لبنان الحرب الاهلية”!

كبِرنا ونحن متروكون لإستكشاف ما حصل في الحرب الأهلية بمفردنا. الأمر لم يكن صعبا فأهلنا كانوا هناك والروايات والدراسات والسِيَر كانت هنا ولاتزال مع الدمار الذي أيضا لا يزال. ومن صمد منّا ونجا من الحرب الأهلية، شرذمه تسونامي الموت، ووصل به العوز درجة الترحم على أبشع الحقبات، حقبة الحرب الأهلية، بحجة: “كان في بحبوحة بوقتها مش مثل اليوم”.

ونحن الذين لم نر لبنان الحرب الأهلية نملك أرقاما تقول لنا أن البلد اليوم يشهد أعلى نسبة هجرة في تاريخه. كما ونملك الخوف على مستقبلنا في لبنان، وسط إنهيار إقتصادي شامل، مصحوب بلامبالاة كارثية من الذين وضعوا مصالحهم الضيقة فوق كل إعتبار، فأصبح لبناننا لهم فريسة لبنانهم الذي يريدونه مقسما ومشرذما وبكيانات متعددة لا كيان واحد.

هي أزمة الهوية اللبنانية (Identity Crisis) التي جعلت منطق “لبنان الوطن العربي النهائي لجميع المسلمين والمسيحيين” نص مسرحيا سرياليا واكبناه في قصر الصنوبر إبَّان إعلان دولة لبنان الكبير، وفي دستور الطائف، وفي كتاب التنشئة المدنية. هي حاجة ماسة في قضية بقيت جملة تُرَدد في المناسبات، فثمة من لا يزال يسعى لتكريس منطق الشعوب في رقعة واحدة، ويعمل لتدعيم جدران الطوائف كلما اهتزت، ويبذل جهده لتغليب منطق السلطة وأركانها على منطق الدولة والعمل المؤسساتي.

هي الهوية المقسمة التي يتمسك البعض بها كي يضمن إستمرارية نفوذه، مقابل الأمل الذي لاشفاء منه…أمل وايمان بيقظة لبنانية تنتج مواطنا لا يخاف من الإختلافات ويدرك قذارة التقسيمات ومنطق: هم ونحن.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً