غداً يوم أفضل لنا ولهم؟

سارة عكاري
سارة عكاري

ان سألت رجلاً ثمانينياً اليوم إن كان يفضل البقاء في لبنان أو الهجرة إذا تسنّت له الفرصة منذ 40 عامًا، لقال لك “لم ولن أترك أرضي وأهلي وشعبي، وغدًا يوم أفضل”.

في ظل الأزمات المتتالية التي خيّمت فوق اللبنانيين، تعالت أصوات الشباب والشابات، واأامهات والآباء وحتى الصغار ولكن الصوت الوحيد الذي لم نسمعه عبر نشرات الأخبار والشاشات وفي المظاهرات هو صوت كبار السن.

كدنا نظن أن هؤلاء لا مطالب لهم ولا مواقف، غير أنهم الأكثر تضررًا من جرّاء هذه الأزمات. فهل هناك من يسأل عنهم ومن يؤمن لهم الدواء والغذاء؟ وهل هناك من يساعدهم على تلبية حاجاتهم؟ فلا ضمان شيخوخة لهم ولا مٲوى يؤويهم.

لقد آمن أجدادنا أن غدًا يوم أفضل، بالرغم من الحروب الأهلية والاعتداءات الخارجية والاحتلالات المتتالية على لبنان التي عايشوها، وكان إيمانهم أكبر من أجندات الحكام الفاسدين. ولكن، أتساءل ٳن علموا منذ ذاك الحين أن لبنان سيأخذ منحًى آخر وأن كل تضحياتهم ستذهب سدًى، وأن البلد الذي سقوه بدمهم لن يردّ الجميل… لكانوا بقوا أم هاجروا؟

فقد سمعت العم خليل يشكو همّه للعم جوزيف في إحدى جمعاتهما في ساحة الضيعة: “حتى في أيام الحرب لم ننذل كما يذلوننا اليوم. لم نضطر يومًا إلى أن نشحذ لقمة عيشنا”. فترى خيبة الأمل ظاهرة على وجهه أكثر فأكثر وهو يقول: “شو بعد بدّن يعملوا فينا؟”.

انضممت إليهم وسألت جدّو جوزيف: “هل أنت نادم على أنك لم تهاجر؟”. ابتسم الشايب وقال: “يا بنتي، ما ينفع الندم؟ عشت في بلد لم يحترم يومًا وجودي، وعلمني أن أكون متأهبًا كل يوم لأن “ما بعرف من وين بتجي المصيبة”. حاربت جيراني في الحرب، أولادي في الغربة وأحفادي يكبرون بعيداً عنّي. فٳذا متّ في بيتي، ستمر الأيام بشكل عادي قبل أن يدرك احد أنني مفقود، ليتفقدوني. الحياة رخيصة وهم يحاربون بعضهم على مقعد بالزائد أو حقيبة. “هني وين، ونحنا وين!”.
صاح العم خليل: “بس الحق علينا!” ليهزّ العم جوزيف رأسه تأكيداً على كلامه.

نعم، الحق علينا.

كثيرون مثل العم خليل وجوزيف، يشكون همهم لبعضهم البعض على حافة الطريق وهم يشاهدون الأيام تمر والمصائب تزداد من دون ان يسأل أي مسؤول عنهم، ولا أي نائب يؤمن لهم حبة دواء أو رغيف خبز. ضحى كبارنا في ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم، فلصالح من؟

ليكن نضالهم عبرةً لنا… وليكن نضالنا إكرامًا لهم، لعلّ آخرتنا تكون أقلّ ظلمًا من آخرتهم ويكون فعلاً غداً يوماً أفضل!

شارك المقال