لبنان… وطن الموت الحتمي!

حسن علي فحص

ما هي هذه الصدفة التي، ومن بين كل بلدان العالم، شاءت أن يولد ٤ ملايين مظلوم في هذه البقعة من الأرض؟ ما هي تلك الصدفة التي حتّمت على ٤ ملايين روح أن تُهتك في كل لحظة في الـ١٠٤٥٢ كلم مربعاً؟ ماذا فعل أجدادنا وبماذا عصينا الله حتى فُرِض علينا هذا العقاب الجماعي؟ وهل انقلبت الأحوال، وباتت جهنم على الأرض من دون أن يخبرنا أحد؟

على أي حال، لقد بات الشعب اللبناني اليوم محكوماً بالإعدام، وتنفيذ الحكم بات قاب قوسين. لقد تعددت الوسائل والموت واحد: فمن لم يمت بالحرب الأهلية، أو خلال الاجتياح الصهيوني للبنان قد مات بانفجار الرابع من آب. ومن نجا – قد يموت غداً بإشكال في أحد طوابير الذل أمام محطات الوقود والأفران. ومن كتب الله له أن ينجو من محطات الوقود، قد تلاحقه الوقود إلى منزله، فيموت بسبب انفجار خزان مازوت أو بنزين ظنّ صاحبه أنه سيحقق أموالاً طائلة من بيعه بعد رفع الدعم.

وحتى لو ابتعد الفرد عن أصحاب النفوس الظالمة التي تستغل الانهيار الاقتصادي لجني الأرباح من السوق السوداء، فقد يموت اللبناني برصاصة طائشة في منزله. أما إذا تحصّن الفرد من كل ذلك، فقد يلاحقه الموت في المستشفيات بسبب نقص الأدوية والمعدات وهجرة الطواقم الطبية.

في هذه البقعة الجغرافية الصغيرة تغيّرت الحدود، فلم يعد لبنان يحدّه البحر الأبيض المتوسط وفلسطين المحتلة وسوريا كما قرأنا في كتاب الجغرافيا. باتت حدودنا واحدة في الشرق والغرب وجنوباً وشمالاً، وكأن لبنان قد انتقل إلى عالم آخر فأصبح يحدّه الموت من كل الجهات.

فكيف للشباب أن يبحثون عن مستقبل لطموحاتهم في هذه الأرض اذا كان همّهم الوحيد اليوم أن يصمدوا لتأمين ادنى حقوقهم من ماء وكهرباء وطعام. كيف لهذا الجيل الصاعد أن يبني وطنا يوم غد إن كان لا يملك مقومات العيش لليوم. كيف لنا أن نؤمّن حياة كريمة لأهلنا واجدادنا، إن كنا لا نستطيع أن نضمن البقاء على قيد الحياة للساعات المقبلة، وإن كان همّنا الوحيد هو النجاة من الموت الحتمي؟

لم يَخَل أي منا يوماً، أن تتحول طموحاته من التعلّم والعمل وبناء أسرة إلى الصمود والنجاة في وجه هذا الانهيار. ولم يأتِ أي قاموس للغة العربية يوماً على ذكر هذا الشرح لكلمة انهيار. ولم يكتب أي كتاب تاريخ عن شعب حكم على نفسه بالإعدام بسبب طائفيته وحقده وولائه لزعيمه الفاسد. ولن يأتي على وجه هذه الأرض سلطة فاسدة كتلك التي سرقت أموالنا، واستولت على أدويتنا ومحروقاتنا وقضت على مستقبلنا.

شارك المقال