الزواج في لبنان: خطوة أقرب إلى الحلم

يارا المصري

بعد تفاقم الأزمات والكوارث الإقتصادية والاجتماعية، والتي ألقت بظلالها على كافة أوجه الحياة، أصبح الزواج خطوة يتردد الشاب اللبناني في الإقدام عليها. أما المرتبطون اليوم، فتغلب عليهم حالة من التردد والضياع، بعدما فرضت العادات والتقاليد حفلات زفاف كبيرة بأجواء من الفخامة والأناقة، ويضطر البعض إلى تخطي تلك العادات، والاكتفاء بحفلات بسيطة ومتواضعة، في حين يلجأ البعض الآخر إلى تأجيل الزفاف، أو إلغائه أحياناً.

بعدما بلغت نسبة البطالة 41 في المئة، وتدنى الحد الأدنى للأجور إلى ما دون 40 دولاراً، أصبح الزواج للأغنياء فقط، أو بالأحرى ما تبقى من الأغنياء، في حين أصبح أكثر من نصف الشعب اللبناني تحت خط الفقر. كما يلجأ الشباب اللبناني اليوم إلى الهجرة أملاً بتحسين ظروف الحياة والتي غالباً ما تزداد صعوبة في الخارج نظراً لغلاء المعيشة مقارنة براتب المغترب، الأمر الذي قد يضع أولويات أخرى لدى بعض الشباب، أو يجبر المرتبطين على تأجيل الزواج إلى أن تتأمن الأموال اللازمة لتلك الخطوة.

تحديات كثيرة تجعل من الزواج اليوم خطوة أقرب إلى الحلم، أبرزها تكاليف الزفاف من حفلة وزينة وحلويات، إضافة إلى التكاليف الباهظة لشراء أو تجهيز المنزل، ويبلغ الحد الأدنى لأسعار الشقق اليوم 50 ألف دولار، هذا إضافة إلى كلفة تجهيز المنزل من مفروشات وأدوات منزلية.

إلّا أن هذه الخطوة تعتبر أسهل على المغتربين ممّن هم في لبنان، ويقول رائد الشاب اللبناني المغترب في الكويت والذي ما زال يعمل على تجهيز منزله في لبنان “إن التحضير للزواج خطوة أسهل للشاب المغترب نظراً لكونه يتقاضي راتبه بالدولار، لذا هو ما زال قادراً على تسديد المصاريف اللازمة لتحضير المنزل والتي غالباً ما تكون بالدولار”.

وقد اضطر الثنائي رائد وجوليانا إلى تأجيل زواجهما الذي كان يفترض أن يقام هذا الصيف، حتى يعود من الاغتراب. فبعدما فرضته كورونا من إغلاق، تلتها أزمات إقتصادية متوالية جعلته متردداً في العودة. وتقول جوليانا: “أحلم دائماً بحفل زفاف كبير كالحفلات التقليدية، لكن الأزمات المتوالية فرضت على المرتبطين الاكتفاء بحفلات صغيرة ومتواضعة، لكن ومع ذلك ما زلت أرغب بإقامة زفاف تقليدي”. ويرى خطيبها رائد أن “كلفة الزواج متساوية سواء أكان حفلاً صغيراً أو كبيراً، لذا فهذا ليس معياراً لتخفيض الكلفة، لكن المشكلة اليوم أنّنا أصبحنا نخجل من دعوة الناس إلى حفل الزفاف، فمعظمهم غير قادر على تحمل تكاليف الدعوة، فأزمة الوقود من جهة وغلاء أسعار الهدايا من جهة أخرى قد تُحرج المدعوين، وذلك قد يكون أحد الأسباب لتقليص عدد الحضور”. ويضيف: “لا نستطيع تخطي العادات والتقاليد، لكن اليوم لم يعد للأعراس أهمية كالسابق، والأزمات المتوالية قد تدفع الجيل القادم إلى التخلي عن العادات واعتماد أنماط جديدة للأعراس”.

ويعاني الثنائي من بعد المسافة وغياب التواصل المباشر بعد مرور سنتين من دون لقاء، إلا أنه وعلى الرغم من ذلك تصر جوليانا على خطيبها البقاء في الكويت وعدم العودة خوفاً من التدهور الاقتصادي في لبنان وعدم توفر فرص العمل، الأمر الذي سيقف عائقاً أمام زواجهما حالياً.

يزداد شوق رائد لها ولعائلته في لبنان، وتزداد وحدته في الغربة، ويقول بحرقة: “الغربة فرضت عليّ تغيير نمط حياتي وأبعدتني عمّن أحب وفرضت علينا تأجيل زفافنا، لكن على الرغم من ذلك يظل وضعي أفضل بكثير من وضع أي شاب لبناني يعيش في لبنان، لأن راتبه لا يكفيه ليتقدم لخطبة فتاة”.

وألقت أزمة المصارف بظلالها على الشباب في لبنان، فمن كان يدّخر أموالاً لتأمين تكاليف الزواج، خسر كل جنى عمره، مما أجبر بعض المرتبطين على الإنفصال نظراً لعدم قدرتهم على تحمل ما تتطلبه تلك الخطوة من أعباء. كما أنه ثمّة قيود مالية كثيرة تُفرض على المغتربين تساهم بخسارتهم لجزء من أموالهم عند إرسالها إلى لبنان، مما صعّب على المغترب إرسال المال لاستكمال تحضيرات الزواج. من دون أن ننسى أزمة ما بعد الزواج، إذ لا يمكن تجاهل الأعباء التي تترتب على رب المنزل اليوم في ظل أزمة الوقود والمواد الغذائية، وكلفة المعيشة، هذا إضافة إلى التوترات السياسية والأمنية.

لذا تفاقم الأزمات، وما أنتجته من يأس وحزن وعجز، ولّدت لدى الشباب أولويات اخرى، وأصبح الزواج من الكماليات، الهجرة أصبحت الأمل الوحيد لأي شاب لبناني يطمح إلى تأمين مستقبله وتوسيع أحلامه التي من المفترض أن تكون حقّاً من حقوقه كإنسان. ويعيش المرتبطون اليوم أسوأ أيام نظراً لعدم قدرة من هم داخل لبنان على الزواج، ومن هو مغترب يعاني الأمرّين بعيداً عمّن يحب مثل الثنائي جوليانا ورائد اللذين فرضت عليهما الأوضاع تأجيل زواجهما والعيش كل منهما في بلد.

وتقول جوليانا “لقاؤنا أصبح حلما”، لكن يؤكد خطيبها رائد أن ما يصبّرهما على مرارة الغربة هو الأمل أن يجتمعا مجدداَ في لبنان مع من يحبون، الأمل أن يكونا سوياً تحت سقف واحد، وهذا ما يصبّر الشباب اللبناني اليوم “فلربما غداً يكون أفضل”.

شارك المقال