كل شيء يُعوّض… إلا شبابنا

كمال دمج
كمال دمج

وَسْطَ مُعتَرَكِ الحروب والأزمات، لم يَشأ اللبناني المتنوِّر التخلي عن فكره المنفتح، ولم يسمح لنفسه بالتقوقع خلف جدران آيلة للسقوط أو متاريس غير نافعة في مواجهة الباطل بالحق، فأبدع نعم، أبدع وأوجد زمن لبنان الجميل من قلب الدماء والدمار ليبني حضارة كان وما زال ذكرها هو الأول والأفضل عربياً وعالمياً.

فهل ما زال بإمكاننا الإبداع تزامناً مع أزمة هي من بين الأخطر عالمياً؟!

في معظم الأحيان، لا يكون الصراخ أو حتَّى الأنين ولا الثورة ولا العصيان ولا حتَّى التخريب تعبيراً عمَّا تكنّه النفس من مشاعر، فيكون الصمت أبلغ في الاستيلاء على الأحاسيس كصمتِ لوحةٍ أفرغ رسَّامها بِتَفانٍ كل معارك روحه فيها أو كصمتِ منحوتةٍ كانتْ كل ضربة فيها انتقاماً وتفريغاً. أمَّا اليوم، فحتَّى الصمت لم يعد متوافراً في ظلِّ فقدان مقومات التعبير عنه، فكيف لنا أن نُعبِّر بعد!؟

بإيجابية متجانسة مع الواقع يتحدث لـ”لبنان الكبير” الفنان التشكيلي ومدير مُحترف الفنون نبيل سعد قائلاً: “نحن نعيش حالاً غير طبيعية وخارجة عن الحد، فتخيل أننا بتنا نضرب حساباً للورقة وللقلم ولكمية الألوان المستخدمة… لكننا مستمرون”. ويضيف: “أشعر بأن هذه الأزمة بمكان ما إيجابية على الأطفال والمواهب الصاعدة، فيجب أن يكونوا شركاء في المعاناة نوعاً ما كي يعلموا أن الحياة هبوط وارتفاع”.

ويُبدي سعد رأيه في كيفية مواجهة الأزمات ليس فقط على صعيد الفن وإنما على الصعد كافة بالقول: “أفكارنا وحلولنا يجب أن تكون إبداعية، فحوائجنا تلزمنا التفكير بالحلول، وطالما أن لدينا القدرة على عدم الإستسلام علينا المحاولة دائماً حتَّى نصل ربما إلى الإختراع وتصنيع المستلزمات… وعلينا الاستمرار ولو رسمنا بالفحم”.

وفي السياق عينه، يتحدث الفنان الصاعد وفيق سيف الدين لـ”لبنان الكبير”: “أحياناً يؤثر الجو السلبي في إبداع الفنان ويحدّ من إنتاجيته، لكني أرى أن الفن في هذه الأزمة تحوّل من ضحية إلى أداة لتغيير هذا الجو”. ويضيف: “يمكننا أن نعمل بوسائل محدودة في ظل الغلاء ولكن إلى متى؟ فمن لا يتقدم يتقادم”. ويقول بحسرة: “كنت بدي اتعلم الرسم الزيتي لكن قمقم اللون بـ 50 دولاراً، فَراحت عليي”.

كذلك، تروي مجموعة من الشبان الموهوبين موسيقياً والذين يتدربون على بعض الآلات، معاناتهم جراء هذه الأزمة بالقول: “أي آلة أو حتى أي وتر أو قطعة بآلة صار حقها خيالياً… مش مشكلة كل هالأمور بتدبر وبتتعوض لكن حياتنا وشبابنا مين بعوّضهم وبأي ثمن؟!”.

لذلك، ومن منطلقِ الصدمة التي أصابت جيلاً لم يصل بعد إلى قمته الأولى المعهودة، ومن منطلق الدافع الكبير داخل كل ناشئٍ نحو الانتقام للوطن من زُمرةٍ حكمته فقهرته ودمرته من دون رأفة أو أي حسٍّ بالإنتماء، بيقى لدينا الأمل بالنهوض من جديد بقلوبٍ نشأتْ بيضاء وتناضل بشجاعةٍ وصلابة لتبقى هكذا ولتستعيد المجد من خاطفيه.

شارك المقال