الحرائق السياسية تلتهم المؤسّسات… والإغاثة مأساة

هيام طوق
هيام طوق

هي حرائق تزنّر لبنان وتلهبه وتشعله وتلتهم مؤسّساته الدستورية والقضائية والصحية والإنسانية، لتقضي على مساحات شاسعة من شعبه الذي يعاني حروقاً من الدرجة الرابعة، حيث بلغ الضرر مرحلة تهدّد نسف حياته من جذورها. وإذا وجدت الحرائق الطبيعية شباناً أبطالاً من إطفائيين وأصحاب ضمير وإنسانية، اندفعوا إلى إخمادها، فيبدو أنّ الشعب المحترق أقل حظاً لأنه لم يلتفت إليه أي إطفائي يُخمد ناره أو معالج يضمّد جروحه ويستعجله بالمضادات الحيوية لإنعاشه وإنقاذه.

حرائق المواقف السياسية والكيدية والعناد لا تزال توسّع امتدادها حتى عطّلت البلد بمؤسّساته كافة. ولعل الحكومة كانت الأكثر تضرّراً وتعطيلاً من شرارات تلك النيران إثر انعدام إيجاد الحل لتسيير أمورها وانعقادها، علّها تبدأ ببلسمة حروق الناس الكبيرة.

ووسط الحديث عن “تخريجة” قضائية تُطبخ في الكواليس لإيجاد مخرج للإفراج عن الحكومة، يعمل عليها بشكل خاص رئيس مجلس النواب نبيه برّي، بعدما تبيّن أنّ السبل القانونية والقضائية التي تقدّم بها المسؤولون المطلوبون للتحقيق من ارتياب مشروع وكفّ يد وطلبات رد ومخاصمة الدولة وغيرها، لم توقف البيطار عن استكمال التحقيق الذي قال غير مرة أنه ماضٍ حتى النهاية. يجري البحث بعيدا عن الأضواء لإيجاد تسوية تبدّل في توازنات مجلس القضاء الأعلى، إذ قال مصدر سياسي لـ”لبنان الكبير” أنّ الرئيس برّي يحمل في جعبته أرانب سيتم إخراجها إلى العلن في حال وصلت الأمور إلى خواتيم ترضي الجميع، وذلك عبر تجزئة ملف التحقيقات بين القاضي طارق البيطار وبين المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، كما يتم الحديث عن مبادرة تقضي بالوصول إلى مَخرج قضائي يُتيح إزاحة رئيس مجلس القضاء الأعلى رئيس الهيئة العامة لمحكمة التمييز القاضي سهيل عبود من منصبه، وهو المتهم بدعم وحماية القاضي البيطار، فيعيّن مجلس الوزراء قاضياً آخر من بين أسماء يرفعها إليه وزير العدل بهدف الوصول إلى حلحلة على صعيد اجتماعات مجلس الوزراء، خصوصاً أنّ “الثنائي الشيعي” يرفض المشاركة في أي جلسة حكومية قبل إيجاد مَخرج للمحقق العدلي طارق البيطار.

وتشير مصادر” الثنائي” لـ”لبنان الكبير” إلى أنّ “الرئيس برّي لا يسعى إلى أي مبادرة إلا من خلال تطبيق الدستور وما تسمح به القوانين”، مشدداً على أنّ “رئيس مجلس النواب ليس لديه أي شيء ضد الأشخاص، إن كان البيطار أو عبود، إنما هو ضد الاستنسابية والتسييس، وبالتالي على القضاة تطبيق الدستور والقانون”.

وعما يحكى عن مخارج قضائية لإزاحة الرئيس عبود، قالت المصادر أن “لا شيء من هذا القبيل يطرح إلا من خلال الدستور والقانون، مع التأكيد على أنه في حال لم تُكفّ يد القاضي البيطار عن محاكمة المسؤولين الذين يجب أن يحاكموا أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، لن تكون هناك جلسات لمجلس الوزراء، وفي حال كفّت يده تعود الحكومة إلى الاجتماع”.

مبادرة للرئيس ميقاتي إذا لم تحصل حلحلة

وفي حين تطرح مخارج على الصعيد القضائي، يؤكد رئيس الحكومة عدم التدخل في الموضوع القضائي وفي قضية البيطار، إذ شدد النائب علي درويش في حديث لـ”لبنان الكبير” على “إصرار الرئيس ميقاتي عدم التدخّل في القضاء، وهو يركز حالياً على موضوع الأزمة الخليجية مع لبنان، إذ أنه يجب أن يكون هناك اتفاق داخلي على مخرج ما”.

ولفت إلى أنّ “هناك مبادرات كثيرة تجري مناقشتها بين الرؤساء، ومن الممكن أن تبصر النور خلال فترة قصيرة، وبالتالي عودة مجلس الوزراء إلى الانعقاد لأن هناك نحو المئة بند على جدول أعماله، أغلبها متعلق بشؤون الناس والوضع المعيشي. نتمنى أن يتم التسريع لحلحلة على صعيد القضاء”.

وأشار إلى “مبادرات يقترحها الرئيس برّي لرأب الصدع على مستويات عدّة، لكن لم ندخل في تفاصيلها، لأننا نعرف أنّ بري حريص ويسعى قدر المستطاع في هذه المرحلة إلى تخفيف الاحتقان الداخلي”، مؤكداً أنه “إذا لم تحصل حلحلة خلال أيام تؤدّي إلى عقد جلسة لمجلس الوزراء، فستكون للرئيس ميقاتي مبادرة. فهو ترك فسحة للتوافق بين الأفرقاء السياسيين ليكونوا على بيّنة من المخاطر في حال لم ينعقد مجلس الوزراء. وإذا لم تظهر أي حلحلة على هذا الصعيد، ربما يدعو الرئيس ميقاتي إلى جلسة لمجلس الوزراء في ظروف تكون مهيأة ليجد اجتماع مجلس الوزراء صيغة إيجابية ومنتجة خارج صيغة الصدام الداخلي. كل ذلك، يخضع لتطوّرات الأمور خلال الأيام القليلة المقبلة، خصوصاً أنّ الرئيس ميقاتي سيقوم بجولة خارجية ربما تساعد على حلحلة العقد الداخلية”.

الجانب القانوني

وللإضاءة على الجوانب القانونية في حال صح ما يتم تداوله عن مبادرة الرئيس برّي التي تقضي بالوصول إلى تشكيلات قضائية بما يتيح إزاحة رئيس مجلس القضاء الأعلى رئيس الهيئة العامة لمحكمة التمييز القاضي سهيل عبود من منصبه، والمتهم بدعم القاضي البيطار وحمايته، فيعيّن مجلس الوزراء قاضياً آخر من بين أسماء يرفعها إليه وزير العدل، أوضح رئيس مركز “ليبرتي” للدراسات القانونية والاستراتيجية محمد زكور لـ”لبنان الكبير” أنه “إذا كانت تقتضي المبادرة السياسية تغيير رئيس مجلس القضاء الأعلى علّه يتم الوصول بذلك إلى تغيير المحقّق العدلي، نقول إن السياسة معطوفة على القانون، ولا يحق لأحد أن يغيّر المحقّق العدلي سوى المرجع الأول وهو مرجع الردّ، وقد استعمل وردّ طلبات الردّ، وهنا القصد محاكم الاستئناف ومحاكم التمييز المدنية. أما المرجع الثاني، فهو المرجع الذي عيّن الرئيس البيطار وهو مجلس الوزراء”.

وعن صلاحية المجلس النيابي في هذا الإطار، أشار زكور إلى أنّ “لا يد ولا دور إطلاقاً للمجلس النيابي بإقرار التشكيلات القضائية أو تغييرها، إذ أنّ التشكيلات القضائية عملية حصرية بين مجلس القضاء الاعلى ووزير العدل، والكلمة الفصل النهائية فيها إلى مجلس القضاء الأعلى. ومن جهة أخرى، وعلى فرض الجدل ليس إلا، في حال أقرّ مجلس القضاء الأعلى تشكيلات ما، وقام مجلس الوزراء الذي له الحق الحصري بتغيير رئيس مجلس القضاء الأعلى، بتعيين رئيس جديد مكان الرئيس سهيل عبود، فإنّ ذلك لن يؤثّر أبداً في القاضي البيطار، لأنّ تعيين الأخير كما تنص أصول المحاكمات الجزائية، هو حصراً من صلاحية مجلس الوزراء الذي أحال جريمة المرفأ على المجلس العدلي وعيّن القاضي البيطار” .

وتابع: “مجلس النواب لا صلاحية له بالتشكيلات القضائية ولا صلاحية له بتعيين رئيس مجلس قضاء أعلى جديد، فصلاحية التشكيلات القضائية تعود لمجلس القضاء الأعلى ووزير العدل. الصلاحية بتغيير رئيس المجلس القضاء الأعلى وتعيين رئيس جديد تعود لمجلس الوزراء. والصلاحية بتعيين محقق عدلي تعود لمجلس الوزراء”.

شارك المقال