التخبط سيد الموقف

لينا دوغان
لينا دوغان

لا أحد يستطيع أن يجيب عن سؤال: أي مرحلة من المراحل التي مرّ بها لبنان شبيهة بما يعيشه اليوم؟ هذا البلد الصغير الذي يعيش في منطقة الصراعات، حمل ما لا يمكن لأي بلد آخر أن يحمله، إن كان في الحروب أو في كل الأزمات التي مرّ بها، وعلى رأي المثل “إذا حبلت بتولد بلبنان”. فهذا البلد عانى ما عاناه من الآخرين وأكل نصيبه من صراعاتهم على أرضه وكم من مرات ومرات تعرّض لرد الضربات عن الآخرين، لأن هؤلاء سووا أوضاعهم مع العدو بطريقة أو بأخرى، ولم يبقَ أمامهم وأمامه سوى هذه الخاصرة الضعيفة والتي إسمها لبنان.

باختصار ومن دون مواربة، هي دائماً حرب الآخرين على أرضنا، لكن يبدو أن هذه المرة ليست ككل المرات، فهي شاملة على كل الأصعدة، شلّت البلد من أقصاه الى أقصاه سياسياً، اقتصادياً وإنمائياً، الوضع الاقتصادي متدهور، المؤسسات العامة بالكاد تعمل، حكومة تصريف أعمال بين مؤيد ومعارض لصلاحياتها، وفراغ طال كثيراً في رأس الدولة.

من هنا بدأنا سؤالنا لنائب رئيس التحرير في صحيفة “النهار” الصحافي نبيل بو منصف: أين نحن اليوم من الاستحقاق الرئاسي؟ فأتى جوابه بالمباشر: لقد بلغنا من الأزمة الرئاسية ما يتجاوز الذروة إلى التعفن، نحن أمام انسداد واستعصاء أخطر مما حصل خلال الفراغ الذي سبق انتخاب ميشال عون.

إنتخاب ميشال عون سبقه عامان من الجمود، حرّكته مرحلة تفاوض بين كل الأطراف، ليصل عون الى الكرسي الرئاسي. وعلى الرغم من اعتراض الرئيس نبيه بري سراً وعلانيةً على وصول عون وبالتالي صهره، إلا أن دعم ترشحه أتى واضحاً من “حزب الله” صاحب النفوذ الأول في البلد. وهنا كان لبو منصف رأي في هذا الموضوع، قائلاً: “ليس من ثنائية حقيقية وخطيرة على البلد اليوم سوى الثنائية الشيعية، لأنها تستقوي بأحادية القرار والسطوة والسلاح والمؤسف أنها ألغت دور حركة أمل وجعلتها متماهية تماماً مع استراتيجية حزب الله”. ونفى وجود ثنائيات عند الطوائف الأخرى، لا بل اعتبر أن هناك تفككاً يخدم الثنائي الشيعي.

وعن مقولة أنه لو اتفق المسيحيون في ما بينهم لاستطاعوا إيصال رئيس، كان رده أنه غير مؤيد لهذه النقطة لأن اتفاق المسيحيين مؤخراً حصل فقط في التقاطع على ترشيح جهاد أزعور وعجزوا رغماً عن ذلك عن إيصاله، معتبراً أن الكلمة الحاسمة في الأزمة ليست في يدهم لأن الفراغ ليس قرارهم بل قرار الثنائي الشيعي المستقوي بإيران ونفوذها.

الحلول التي تبدأ من انتخاب رئيس جمهورية لم تنضج بعد على الرغم من كل الوفود الداخلة والخارجة، وحتى مع تحرك “الخماسية”، الذي اعتبره بو منصف مهماً لجهة إثبات أن البلد غير متروك تماماً للنفوذ الايراني، ولكنه لم يبلغ بعد مستوى حماية الحل بما يتيح ترك اللبنانيين يعودون إلى النظام والأصول وانتخاب رئيس، لذا يجب أن يقترن تحركهم بضغط كاف لجعل المعطلين يتراجعون.

لن يتراجع المعطلون بل على العكس سيزداد موقفهم تصلباً أكثر، خصوصاً أن حرب غزة أعطتهم الحجة الكافية لجعل لبنان ساحة من ساحات الاشتباك مع العدو الاسرائيلي وإن كان ضمن قواعد معينة، لكن جنوب لبنان ليس بأحسن حال من غزة، دماراً واستهدافاً، وهذا ما يجعلنا مرتبطين بالحل الموحد، على الرغم من الانقسامات الداخلية بشأن هذا الارتباط. هنا سألنا بو منصف عن مدى ارتباطنا بهذه الحرب وهل نهدأ عندما تهدأ غزة؟ ليأتي جوابه مؤكداً ارتباطنا مع غزة بالحرب، ولكن برأيه صيغ السلام والحلول لن تكون مرتبطة، لأن لكل من الأزمتين والحربين والملفين خصوصيات واسعة، مشدداً على أهمية إنتهاء الحرب في غزة أولاً، ليرتاح لبنان من كابوسٍ كبير هو ربط الساحات.

عملياً وميدانياً يجري خرق القرار ١٧٠١ من الجانبين، بصلافة من الاسرائيلي بدايةً ولاحقاً من “حزب الله” الذي وسع من قواعد الاشتباك رداً على الرد، ليجلب تنفيذ هذا القرار المزيد من الانقسام في الداخل اللبناني، وآخره لقاء معراب الذي دعا إليه رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، تحت عنوان الـ ١٧٠١ دفاعاً عن لبنان، والذي عُقد بمشاركة خجولة من المعارضة وبإثارة واضحة لحفيظة خصوم “القوات” من خلال عدد من الردود عليه. واعتبر بو منصف أن هذا اللقاء ليس بحجم تبديل المعادلات واقعياً، لكنه كان جيداً لجهة كسر أحادية تحكم “حزب الله” بمصير البلد وإعلان صوت معارض مخالف يرفض الانجرار إلى الحرب، بما يشكل رافعة داخلية مهمة لإعادة الجنوب إلى كنف الشرعيتين اللبنانية والدولية عبر القرار ١٧٠١.

وبين كل ما يجري وكل هذه التناقضات يعيش لبنان أصعب مرحلة على مر الأزمنة، وذلك بتأكيد الجميع، فهو يحاول من دون نتيجة لملمة الآثار التي فرضها تدهور الاقتصاد، كما يسعى مع زيارات الموفدين و”الخماسية” الى إيجاد حل باتجاه إحداث خرق ما في الملف الرئاسي، وأخيراً وليس آخراً السعي باتجاه التهدئة الميدانية في جنوب لبنان. هكذا هو قدر هذا البلد المرهون فعلياً بمشاريع الآخرين على أرضه، وتطبيق شعار “لبنان أولاً” رهن نظرة ورؤية كل فريق على حدة للبنان الذي يريد، ويصبح لبنان “مفدرلاً” بالفكري قبل العملي، وهنا المصيبة الكبرى.

شارك المقال