إهتمام خارجي مبكر بالحكومة المقبلة والرئاسة يواكب الحماوة الانتخابية

وليد شقير
وليد شقير

حماوة المعركة الانتخابية المتصاعدة والخطابات النارية التي تشهدها المنازلات في المناطق كافة لاجتذاب الناخبين، مع ما يرافقها من تحالفات وتخطيط لتجيير الأصوات تدل بوضوح على أن الاهتمام الفعلي ينصب على ضمان الأفرقاء لمواقعهم في مرحلة ما بعد تشكيل البرلمان الجديد.

من نافل القول أن يكون ميزان القوى داخل البرلمان المقبل في خلفية حسابات الأفرقاء الانتخابية، لأن عليه ستبنى هوية ونوعية الحكومة التي يفترض أن تتشكل. وبناء عليه سيكون على القوى الخارجية المتدخلة في الاستحقاق الذي يلي، أي انتخابات الرئاسة الأولى في تشرين الأول المقبل، أن تحتسب توزع الكتل النيابية وأحجامها من أجل ترجيح كفة من تختاره ليتولى الرئاسة الأولى. فإذا صح أن رئيس الجمهورية في لبنان لم يكن في أي مرة صناعة لبنانية، فإن الصحيح أيضاً أن الدول المعنية بترجيح هذا الإسم أو ذاك لا بد من أن تستند إلى قدرتها على التأثير في الكتل النيابية بحيث تترجم عبرها خيارها المفترض.

الحسابات في مرحلة ما بعد الانتخابات تشمل حكماً القوى الخارجية التي يهمها استمرار الدينامية التي يفترض أن يطلقها الاتفاق الأولي الذي توصلت إليه الحكومة مع صندوق النقد الدولي. فليس منتظراً أن تحقق الحكومة الحالية والبرلمان الحالي الشروط المسبقة المطلوبة من أجل صرف أموال المساعدات التي نص عليها الاتفاق، وبالتالي تقع على البرلمان الجديد والحكومة الجديدة مسؤولية استكمال تنفيذ التصور الذي تم التوصل إليه.

وليس غريباً أن نسمع من ديبلوماسيين أجانب مثلاً أن الانتخابات قد لا تأتي بالحلول، لكنها فرصة من أجل تجديد عمر المؤسسات الدستورية والتنفيذية حتى إذا لم تأتِ بالتغيير الجوهري الذي يطمح إليه بعض الجيل الجديد، أو بعض من انتفضوا ضد الطبقة الحاكمة، فهي وسيلة لم تتوافر أخرى أفضل منها من أجل ضمان الاستمرارية في عمل المؤسسات وتجديد التفويض الممنوح لها، ما يعزز فرصة التعامل والتعاطي مع المجتمع الدولي والجهات المانحة، وفي طليعتها صندوق النقد.

لذلك يجري التفكير منذ الآن في بعض الأوساط، بكيفية دفع التركيبة الجديدة للبرلمان نحو تشكيل الحكومة المقبلة في سرعة، ونحو انتخاب رئيس الجمهورية. ويبدو أن دول القرار أخذت تفكر بمرحلة ما بعد الانتخابات من زاويتي الحاجة الملحة لتأليف الحكومة الجديدة بسرعة، وأولوية انتخاب الرئيس الجديد بعدها من دون تأخير، ومن دون إضاعة المزيد من الوقت، بافتعال فراغ حكومي أو تعطيل الرئاسة. فقد ثبت مدى تأثير هذين الفراغ والتعطيل السلبي في تدهور الاقتصاد وتسببهما بالانهيار لاحقاً، وخصوصاً بين منتصف العام 2014 (انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان) وأواخر العام 2016 وانتخاب الرئيس ميشال عون. فأي فراغ محتمل بعد انتخاب البرلمان الجديد ستكون آثاره مدمرة أكثر في ظل الأزمة التي يعيشها لبنان، وسيزيد من صعوبة الحلول للأزمة الاقتصادية المالية التي وضع الاتفاق الأولي قاعدة لها تتطلب استكمالها بالكثير من الإجراءات.

التهيؤ المبكر لاستحقاقي الحكومة والرئاسة قد لا يكون مفاجئاً لبعض الأقطاب السياسيين، إذا كان بعض الفرقاء لا يتنبهون إليه. بل ان بعض الأوساط تشبه هذا التهيؤ المبكر بذلك التحذير المبكر من قبل المجتمع الدولي منذ أواخر العام 2020 من ضرورة إجراء الانتخابات النيابية في موعدها وعدم القبول بتأجيلها وصولا إلى التهديد بإمكان فرض عقوبات على الفرقاء أو الشخصيات التي تتسبب بتأجيلها. وقد أعطت القوى الدولية برهاناً على نيتها فرض تلك العقوبات عبر دفعة أولية طاولت في حينها المزيد من الأشخاص التابعين ل”حزب الله” بحجة مشاركتهم في دعمه وتسهيل تمويله، ثم وزراء سابقين يدورون في فلك التحالف الذي يرعاه ( علي حسن خليل، يوسف فنيانوس ثم جبران باسيل). ثم جرى إلحاقها بإضافة النائب جميل السيد ورجلي الأعمال داني خوري وجهاد العرب، كرسالة إلى من لا يأخذ الأمر بالجدية المطلوبة، بأن سيف العقوبات مستمر. فالعواصم المعنية بلبنان أعدت العدة لحملتها الضاغطة كي تجري الانتخابات النيابية في موعدها منذ العام 2020. وقد نشهد تلويحاً بالعقوبات ضد من يتسببون بتأخير تشكيل الحكومة المقبلة، ومن يشاركون بالتسبب بأي فراغ رئاسي بعد بضعة أشهر.

أهمية تركيبة البرلمان الجديد في ما يخص تشكيل الحكومة المقبلة هي التي تفسر مدى الاهتمام من قبل القيادة الإيرانية بالاستحقاق إلى درجة أن وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان حرص على تخصيص فقرة في تصريحه عنها بعد حديثه عن أهمية المقاومة ورجالها من لبنان إلى قاسم سليماني. ويوازيه في هذا الاهتمام نزول “حزب الله” بثقله من أجل المساهمة في إدارة المعركة في مناطق حلفائه المسيحيين والسنة عبر مصالحة المختلفين منهم.

ليست تهمة لدول الخليج أن تعيد سفراءها، لا سيما السعودي والكويتي إلى بيروت مع انطلاق حماوة السباق الانتخابي على الشكل الذي نشهده، إذا كانت الرسالة من وراء هذه العودة أن لبنان ليس متروكاً لقمة سائغة للنفوذ الإيراني وأرضاً سائبة يسهل استغلال أي انكفاء عربي عنها لتعزيز هيمنة إيران على قراره لا سيما أن البرلمان المقبل سينتج الحكومة الجديدة، والرئيس الجديد. فليس مألوفاً أن تستفرد طهران باستحقاقات مقبلة، وألا يكون للراعي العربي الذي ساهم في رسم حلول وترتيب معادلات في لبنان في أحلك الظروف التي مر بها تاريخياً، دوره الجوهري في المرحلة المقبلة.

وليس عيباً أن يقرر البابا فرنسيس زيارة لبنان في حزيران المقبل، بعد ولادة المجلس النيابي الجديد. وإذا كان التقليد لدى الكرسي الرسولي عدم زيارة أي بلد يقبل على استحقاق انتخابي، فإن الإعلان عن الزيارة قبل إتمام الاستحقاق لتتم بعده مؤشر إلى نيته وضع ثقله خلف ما سبق له ولوزير خارجيته أن قاله بأن على اللبنانيين أن يتركوا ليرسموا مستقبلهم من دون تدخلات خارجية “لا تجوز”.

شارك المقال