معركة نائب رئيس البرلمان: اللعبة اختلفت ولكل خيار محاذيره

وليد شقير
وليد شقير

الثلاثاء المقبل يفترض أن تظهر نوعية التسويات التي ينتظر أن تحصل في البرلمان الجديد. وتظهير الصورة يتوقف على عدد الأصوات التي سيحصل عليها رئيس البرلمان نبيه بري أولاً، وعلى هوية الكتل والنواب المنفردين الذين سيشكلون الرقم النهائي لانتخاب نائب رئيس البرلمان وأعضاء هيئة مكتب المجلس.

إذا صح أن لا أكثرية حاسمة أفرزتها الانتخابات النيابية، وأن هذه الأكثرية ستكون متحركة، على القطعة، وحسب الملف أو العنوان وما يتطلبه من أصوات، في عمل البرلمان، فإن قدرة القوى السياسية التقليدية التي تتشكل منها السلطة الحاكمة، على الرغم من تناقضاتها، على المناورة وخفض الخسائر التي منيت بها جراء المفاجآت التي حصلت في صناديق الاقتراع، أكبر من قدرة القوى النيابية الجديدة التي دخلت الندوة البرلمانية.

لكن هل يكفي استحقاق تشكيل قيادة البرلمان من أجل تظهير الصورة؟ المؤكد أن اللعبة اختلفت بدخول مجموعة من النواب إلى الندوة البرلمانية يتراوح عددهم بين الـ14 و16 نائباً هم التغييريون الذين يناصرهم نواب سابقون، هم خارج إطار التموضع التقليدي للكتل التي شكلت الأكثرية والأقلية في البرلمان السابق. واللعبة اختلفت أيضاً بوجود كتلة نيابية متراصة تجمع أعضاءها مبادئ سياسية. وهؤلاء هم الذين يشكلون ما يسمى “بيضة القبان” أكثر مما تشكلها كتلة “اللقاء الديموقراطي” برئاسة النائب تيمور جنبلاط (8 نواب). فرئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط اعتبر وصف الكتلة بأنها “بيضة القبان” “سخيفاً وخاطئاً”، وينم عن تهرّب من المسؤولية من الفرقاء الرئيسيين، ومن الذين يطلقون على الكتلة هذا الوصف ومحاولة لإلقاء تبعة المواقف عليها.

لكن لعب دور “بيضة القبان” من كتلة التغييريين الأكثر عدداً من كتلة “اللقاء الديموقراطي”، مختلف عن لعبة المصالح الصرفة التي اعتادت القوى السياسية الرئيسة ممارستها في السابق تحت قبة البرلمان وخارجه، والتي يعتبر من يمثلون ثورة 17 تشرين أنها ساهمت في إيصال البلد إلى ما وصل إليه من انهيار مريع. وهذا واحد من محاذير التعاطي بين هؤلاء وبين الكتل التقليدية. إلا أن العمل البرلماني سيفرض، بعد انتخاب نائب الرئيس ونائبه وهيئة المكتب، تعاوناً بين التغييريين وبين سائر أعضاء المجلس النيابي، بدءاً من رئيسه، سواء من أجل تقديم اقتراحات القوانين أو من أجل مناقشة مشاريع سبق للحكومة أن أحالتها عليه، أو تلك التي يمكن أن تحيلها بعد تشكيلها.

ما يجري منذ يوم السبت، وبعد قرار “التيار الوطني الحر” ترشيح النائب الياس بو صعب لنيابة رئاسة البرلمان، هو تلمس الطريق نحو صفقة ما، تؤدي إلى انتخاب الأخير من قبل كتلة نواب “حزب الله” (16 نائباً مع الحلفاء)، وكتلة “التيار الوطني الحر” وحلفائه (17 نائباً) ونواب “الطاشناق” (3) ونواب حركة “أمل” وعدد من نواب الشمال، مقابل مشاركة عدد من نواب “التيار الحر” في انتخاب الرئيس بري من أجل رفع عدد الأصوات التي سيحصل عليها من 59-60 نائباً إلى رقم يتراوح بين 65 و70 نائباً، في شكل يقطع الطريق على تولي بري الرئاسة برقم ضعيف، ومن دون مشاركة أي من القوى المسيحية الوازنة في اختياره ما سيسمح بالتشكيك في ميثاقية هذا الاختيار.

إزاء الغموض الذي يكتنف الاتصالات الجارية من أجل المقايضة، وإذا صحت هذه المعطيات، فهي تعني أن “التيار الحر” سيتراجع عن رفض رئاسة بري، من جهة أنه سيضطر إلى مراعاة طلب حليفه “حزب الله”، إيجاد مخرج للتصويت لمصلحة بري، مقابل الدور الرئيس الذي لعبه الحزب، في ضمان عودة بين 6 إلى 8 نواب عونيين إلى الندوة النيابية. فالحزب حال دون تراجع الكتلة النيابية العونية إلى زهاء 12 إلى 13 نائباً.

بغياب المعركة على رئاسة المجلس، يحصل التنافس في تحديد هوية قيادة البرلمان للمرحلة المقبلة على نيابة الرئاسة. ولهذا الموقع أهميته لأنه سيقود عمل اللجان النيابية من جهة، ويفترض أن يحل مكان بري في غيابه عن هذه الاجتماعات من جهة ثانية، الأمر الذي يحسب الأخير ومعه الحزب ألف حساب له، لجهة تمرير القوانين وتحقيق التسويات بين الكتل المختلفة. أمام بري خيارات أخرى تبدأ كما يتردد، بدعم ترشح عضو الكتلة التغييرية ملحم خلف، أو النائب عن عكار، الذي يدين بالولاء لنائب رئيس الحكومة السابق عصام فارس، سجيع عطية، منعاً لإخضاع نيابة الرئاسة لتعليمات رئيس “التيار الحر” النائب جبران باسيل في حال جرى انتخاب بو صعب. وإذا كان انتخاب الأخير يمكن أن يثير حفيظة بري، لأنه يتيح لـ “التيار الحر” أن يؤثر في إدارة السلطة التشريعية، فإن هذا الأمر يعطي الفريق الرئاسي الحاكم قبل أشهر قليلة من نهاية العهد القدرة على التأثير في الرئاسة الأولى والبرلمان إضافة إلى رئاسة الحكومة التي يضع منذ الآن شروطاً على رئيسها يمكن أن تقود إلى الفراغ الرئاسي…

مقابل المحاذير المحتملة التي لدى بري، فإن لدى حليفه الأول “حزب الله” محاذير مقابلة هي الخشية من حصول توافق بين التغييريين وبعض الكتل الأخرى التي يمكن أن تصوّت لمصلحة بري، على دعم النائب غسان حاصباني في حال قرر حزب “القوات اللبنانية” ترشيحه، وهو الأمر الذي يسعى الحزب إلى تفاديه بأي ثمن.

للنتيجة التي ستسفر عن انتخاب نائب الرئيس أبعاد رمزية أكثر من السياسية، على الرغم من أنها تشهد محاولة للالتفاف على التغيير الذي حصل في ميزان القوى بعد الانتخابات. وكل ذلك يقفز فوق جوهر دور البرلمان الجديد في التشريعات المطلوبة بإلحاح لمعالجة الوضع المعيشي المتردي يوماً بعد يوم.

الغموض في شأن ما ستؤول إليه معركة نيابة الرئاسة يعكس مدى تشتت الكتل، في البرلمان الجديد، إلا إذا تمكن التغييريون والمستقلون والسياديون من تحقيق ائتلاف ما يؤدي إلى تشكل أكثرية قادرة على التأثير.

شارك المقال