لبنان “المدان” في ميدان العلاقات الدولية كأحد إنجازات عهد عون

زياد فواز ضاهر

مجدداً سجلت الدولة اللبنانية فشلاً في أعلى هيئة دولية ودوّنت على سجلها محاولة فاشلة لتعديل قرار تمديد قوات حفظ السلام في جنوب لبنان، قوبل برفض دولي للمقترحات اللبنانية وتضمن لهجة متشددة ازاء الأداء اللبناني.

ثلاث ادانات!

بالاطلاع على مضمون القرار 2650 وتفنيده، حصل لبنان على “ادانتين” و”قلق” مما يحصل على الجهة اللبنانية وغاب أي ذكر للتجاوزات الاسرائيلية، بحيث دان مجلس الأمن “مضايقة وترهيب أفراد اليونيفيل” عطفاً على ما تعرضت له من تحركات أخذت طابعاً شعبياً ودرجت الوسائل الاعلامية المؤيدة لـ “حزب الله” على تسميتها بـ “اعتراض الأهالي”، وهي ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها مهمات توصف بالدولية لمعوقات تتخذ شكلاً مدنياً كما حصل مع لجنة التحقيق الدولية الخاصة بقضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وتم حينها التعدي على أعضاء من لجنة التحقيق والاستيلاء على بعض مقتنياتهم كأجهزة كمبيوتر تحتوي على معلومات خاصة بالتحقيق.

وتنسحب الادانة على “استخدام حملات التضليل الاعلامي ضدّ حفظة السلام”، واستتبع القرار بالطلب من البعثة اتخاذ تدابير لرصد المعلومات المضللة ومكافحتها، وهذا الرصد ربما تليه اجراءات معينة ازاء تكرار تلك الحملات الأمر الذي سيرتب على لبنان موقفاً جديداً محرجاً في الميدان الدولي.

الادانة الثالثة جاءت بسبب “وجود أسلحة غير مصرّح بها تسيطر عليها جماعات مسلحة في منطقة عمليات اليونيفيل” الأمر الذي يفسر بوجود معطيات أمنية لدى المجلس تفيد وتؤكد وجود هذه الأسلحة، وهو ما يعتبر خرقاً لمضمون القرار 1701 الفقرة 15 منه الذي يلزم “كافة الدول أن تحول دون تزويد أو نقل السلاح”.

رفض دولي للموقف اللبناني وتراجع عن دعم الجيش

لم يتوقف الأمر هنا، فالطرف اللبناني طلب إلزام تحرك القوات الدولية بمرافقة الجيش اللبناني الأمر الذي ووجه برفض لهذه الصيغة، وكانت النتيجة تأكيد مجلس الأمن أن “اليونيفيل لا تحتاج الى إذن مسبق أو إذن من أي شخص للاضطلاع بالمهام الموكلة إليها، وأنه يُسمح لها بإجراء عملياتها بشكل مستقل” كرد على الصيغة اللبنانية، وأتبعه بالطلب الى الأطراف المعنية “ضمان حرية حركة اليونيفيل، بما في ذلك السماح بتسيير الدوريات المعلنة وغير المعلن عنها”، معتمداً صيغة لا تحتمل التأويل.

رفض آخر للصيغة اللبنانية المقترحة لتعديل القرار والتي حاول من خلالها الغاء ذكر القرارين 1559 و1680 من نص القرار المزمع إقراره، فجاء الرفض الدولي بإقرار صيغة أبقت على ذكرهما. سقطت المحاولة اللبنانية لتحقيق مصلحة تخدم “حزب الله” من دون الأخذ في الاعتبار مصلحة الشعب اللبناني ودولته. ربما كان السبب هو اجراء استباقي لقطع الطريق على أي تكليف للقوات الدولية بتطبيق القرارات الدولية لناحية حصر السلاح بيد الدولة، فما زال التوجس موجوداً عند “حزب الله” من مضمون القرارين 1559 و1680 اللذين تناولا السلاح غير الشرعي وتحديد الحدود مع سوريا.

وتضمن القرار موقفاً سلبياً آخر ازاء التحركات على الجهة اللبنانية، معرباً عن “قلقه إزاء بعض التطورات على طول الخط الأزرق” بالاشارة الى تركيب حاويات تعوق تحرك القوات الدولية ووصولها الى الخط الأزرق وتثير الشبهات حول تلك التحركات غير الواضحة.

يضاف الى ذلك كله تغيير الفترة الزمنية التي كلفت فيها قوات “اليونيفيل”، في العام الماضي، اتخاذ “تدابير مؤقتة وخاصة” لمساعدة القوات المسلحة اللبنانية في الغذاء والوقود والأدوية والدعم اللوجستي، من سنة الى ستة أشهر.

من الذي وضع لبنان في هذا الموقف الحرج أمام أقرانه من الدول؟، إستناداً الى التجارب السابقة مع هذه السلطة دائماً ما يغيب الفاعل وتبدأ عملية تقاذف المسؤوليات من رئاسة الجمهورية الى الحكومة ووزارة الخارجية.

كان من المفترض بالقرار 1701 ومندرجاته أن يكون تدخلاً للقوى الدولية لحماية لبنان من الاعتداءات الاسرائيلية، الآن جاء قرار تمديد العمل لقوات حفظ السلام بروحية ومضمون يقرّع الطرف اللبناني ويدين ما يحصل في اطار مسؤولياته، الأمر الذي قلب الصورة بسبب التخبط وغياب التخطيط والتنسيق مع أصدقاء لبنان في المحافل الدولية. وهنا السؤال عمن بقي من أصدقاء لبنان في المحافل الدولية؟ فالطرف الفرنسي دعم التحضير للاقتراح اللبناني الذي أثار حفيظة الأطراف الدولية الأخرى، وعاد الطرف الفرنسي وغيّر موقفه فنال القرار الجديد اجماع أعضاء مجلس الأمن الدولي الخمسة عشر.

على المستوى الداخلي، بدأت تداعيات فشل محاولة رئيس الجمهورية لتعديل قرار تمديد مهمة القوات الدولية في جنوب لبنان، وصدرت تصريحات مؤيدة لسياسة “حزب الله” في لبنان باعتبار أن ما حصل في الأمم المتحدة يجعل من قوات حفظ السلام قوات إحتلال!

لم تتراجع علاقات لبنان الدولية كما هو حاصل اليوم، وهذا يسجل في رصيد عهد الرئيس ميشال عون الذي لطالما حرص على أن يعتبر نفسه الرئيس القوي والساعي الى استرداد صلاحيات رئيس الجمهورية ومنها دوره في مجال علاقات لبنان الدولية، أضف الى ذلك رعايته لمنطق المحاصصة السياسية التي تأسست على ثوابت لتياره السياسي بالاحتفاظ بوزارة الخارجية كحصة لا يتنازل عنها، أو ذهب في صياغة دور علاقات لبنان الخارجية الى ما وصل اليه الأمر في قرار التمديد لقوات “اليونيفيل” مروراً بكل الاخفاقات التي حصلت في هذا المجال بالعلاقة مع الدول العربية تحديداً.

شارك المقال