أبو عمار في ذكرى رحيله: رمز الثورة ومطلق الرصاصة الأولى (2)

زياد سامي عيتاني

أبو عمار في ذكرى رحيله: رمز الثورة ومطلق الرصاصة الأولى (1)

أحداث أيلول في الأردن عام 1970:

في السبعينيات، إشتد العمل الفدائي المسلح في الأراضي المحتلة، وواجهت منظمة التحرير أشد مشكلاتها خطراً، وهي مشكلة الخلاف بينها وبين السلطات الأردنية.

وفي الوقت الذي كانت المواجهات شبه اليومية والحوادث التي تقع بين السلطات الأردنية والفصائل الفلسطينية قابلة للاحتواء عبر الوساطات العربية وحرص الملك حسين على عدم إنفراط عقد التوازن بين المنظمات الفلسطينية وبين أجهزته الأمنية والعسكرية، ونجا هو شخصياً من محاولتي إغتيال في تلك السنة، جاءت عملية إختطاف الطائرات المدنية الغربية من “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين” لتنقل الخلاف إلى مستوى دولي أفقد الأطراف المحلية سيطرتها على الوضع.

وانتهى الأمر بنهر من الدماء التي بلغت ذروتها في شهر أيلول 1970، حين تحوّل الخلاف بين الفصائل الفلسطينية والسلطات الأردنية إلى مواجهة مسلحة مباشرة، أفضت إلى إخراج الفصائل من الأردن وإنتقالها إلى لبنان.

ويومها علق أبو عمار على الأحداث الدامية قائلاً: “هذه مؤامرة، من كان وراءها وخطط لها ودفع إليها هو وكالة المخابرات المركزية الأميركية”.

يذكر أن أبو عمار خرج سراً من الأردن إلى القاهرة لحضور مؤتمر القمة العربي الطارئ الذي عقد لتناول أحداث أيلول 1970.

 

لبنان بديل عن الأردن:

في لبنان، أعاد أبو عمار ترتيب صفوف المقاومة ومواصلتها، معتمداً على مخيمات اللاجئين الفلسطينيين فيه، حيث جندت فصائل منظمة التحرير الفلسطينية أعضاء جدداً من المخيمات بالتزامن مع نقل مقراتها إلى بيروت.

كان جنوب لبنان القاعدة الأساسية لنشاط الفصائل الفلسطينية وفي طليعتها “فتح”، للانطلاق منه في تنفيذ عمليات فدائية داخل الأراضي المحتلة. وتمكنت منظمة التحرير الفلسطينية من خلق دولة داخل الدولة.

عاش أكثر من 300.000 لاجئ فلسطيني في لبنان بحلول العام 1975، إلى جانب إستخدامه كقاعدة عمليات لشن هجمات على إسرائيل وضد مصالحها في جميع أنحاء العالم. بدأت منظمة التحرير والمنظمات الفلسطينية المسلحة الأخرى سلسلة من عمليات خطف الطائرات، التي تستهدف رحلات جوية إسرائيلية ودولية، على متنها إسرائيليون.

تعاظم القوة العسكرية الفلسطينية، مقابل ضعف الجيش اللبناني، كان له تأثير كبير في خلق صراع سياسي بين اللبنانيين المؤيدين للعمل العسكري الفلسطيني، وبين معارضين له، ما لبث أن تحول إلى صراع طائفي، مهد لانفجار الحرب اللبنانية عام 1975، بعد أن كانت الأحزاب المسيحية قد بدأت التدريب والتسلح، خشية الخطر الذي كانت تشعر به من جراء الوجود الفلسطيني المسلح، على الرغم من أن ياسر عرفات كان يحاول التواصل مع مختلف القيادات المارونية والسلطات الرسمية اللبنانية لطمأنتها وإزالة أسباب الخوف، إلا أن تجاوزات عدد من الفصائل التي كانت خارج سيطرة أبو عمار، والمدعومة والموجهة من دول عربية، منها سوريا، والتي كان يسميها عرفات “عناصر غير منضبطة”، كانت تتسبب دوماً بتأجيج الخلاف مع الدولة اللبنانية والأحزاب اليمينية، خصوصاً بعدما خضعت مخيمات اللاجئين الفلسطينيين للسيطرة الفلسطينية اثر سلسلة من الاشتباكات في العامين 1968 و1969 بين الجيش اللبناني وقوات الميليشيات الفلسطينية الصاعدة.

وما زاد الأزمة عمقاً وتعقيداً “إتفاق القاهرة” الذي أبرم عام 1969، ومنح الحق للفلسطينيين بتشكيل لجان حكم ذاتي في المخيمات وحرية العمل المسلح، وفقاً لضوابط محددة.

كان لكل هذه الأسباب التأثير الأكثر عمقاً على لبنان لجهة زعزعة الاستقرار وزيادة الصراع الطائفي، الذي من شأنه تدهور الأوضاع في نهاية المطاف إلى حرب أهلية شاملة.

أبو عمار في الأمم المتحدة:

اتخذ مؤتمر القمة العربية التي عقدت في الرباط عام 1974 قراراً باعتبار منظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني.

وفي 13/11/1974 ألقى أبو عمار كلمة هي الأولى من نوعها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة؛ قال فيها عبارته الشهيرة: “لا تسقطوا غصن الزيتون من يدي”. ومنحت منظمة التحرير الفلسطينية صفة مراقب في الأمم المتحدة.

الخروج من بيروت عام 1982:

بعد إشتداد عمليات المقاومة، وتسديد ضرباتها الموجعة الى العدو الإسرائيلي، إجتاح جيش الاحتلال بقيادة وزير الدفاع الإسرائيلي آرييل شارون في ذلك الوقت لبنان، حتى وصل إلى مشارف بيروت، وقام بمحاصرة الجانب الغربي منها، حيث مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية، والعديد من كوادر المقاومة وعلى رأسها أبو عمار.

دام الحصار 80 يوماً بذل فيها أبو عمار ورفاقة من القادة والمقاتلين أروع آيات الصمود والتصدي؛ ولم تتمكن قوات الاحتلال من اقتحام بيروت. وبعد وساطات عربية ودولية خرج أبو عمار ورفاقه من بيروت إلى تونس وكان ذلك في 30 آب عام 1982.

أبو عمار في ذكرى رحيله: رمز الثورة ومطلق الرصاصة الأولى (3)

شارك المقال