الدواء شحيح وغالٍ… فما عوائق تصنيعه محلياً؟

فدى مكداشي
فدى مكداشي

لاشك أن صناعة الدّواء تُعتبر من الأنشطة التجارية الناشطة اقتصادياً في العالم، ويأتي ترتيبها بعد صناعة الأسلحة.

 وقد تعززت هذه الصناعة مع انتشار جائحة كورونا عالمياً بحيث عملت مصانع الأدوية من أجل إيجاد لقاح لهذا الوباء العالمي.

في لبنان الغارق في أزمة اقتصادية واجتماعية وصحية عميقة، يكتسب موضوع صناعة الدواء أهمية كبيرة، إن لم تكن قصوى اليوم، في ظل ما تعانيه سوق الدواء نتيجة الشحّ الكبير في العملات الصعبة والضرورية لاستيراد الأدوية التي لا يزال استيرادها مدعوماً إلى اليوم ويكلف مصرف لبنان حوالي مليار دولار (مع المستلزمات الطبية). فيما بعض التجار لا يرحمون اللبنانيين ويقومون بتهريب الدواء المدعوم إلى بلدان الجوار لاسيما سوريا.

 فلبنان هو في الأصل بلد مستورد للمنتجات الصيدلانية، وقُدّرت وارداتها منها في العام 2016 بـ 1.21 مليار دولار بحسب الأرقام المتوافرة من قبل المؤسسة الوطنية لضمان الاستثمارات (إيدال). أما سوق الأدوية فقُدّر بحوالى 1.75 مليار دولار في العام نفسه، وكانت التوقعات تشير إلى تسجيله معدّل نمو سنوي مركّباً يصل إلى 6.2 في المئة بحلول العام 2020 ليبلغ 2.20 ملياري دولار.

مع الإشارة هنا إلى أن ملف صناعة الدواء في لبنان وضع على طاولة البحث والاهتمام إبان حكومة الرئيس سعد الحريري في العام 2017 حين تم إطلاق حملة لدعم صناعة الدواء في لبنان.

تصوير: حسام شبارو

عراجي: نستورد ٩٠ في المئة من الدواء الذي نستهلكه

كشف رئيس لجنة الصحة النيابية النائب عاصم عراجي في تصريح خاص لموقع “لبنان الكبير”، أن “هناك بعض القوانين يتم دراستها في لجنة الصحة النيابية من أجل حماية الصناعة الوطنية بانتظار عرضها في الهيئة العامة عند أول اجتماع”، مؤكداً “أهمية هذه الصناعة وضرورة تنظيمها خصوصاً أننا نستورد ٩٠ في المئة من الدواء الذي نستهلكه، وغيرها من أزمات شبيهة كالمواد الغذائية والحليب تحديداً”.

وأوضح عراجي “أننا وضعنا قانوناً معاصراً يتشابه مع نمط وكالة الدواء الأردنية والسعودية ويتبع معايير حماية الدواء وصناعته المحددّة في تعليمات إدارة الغذاء والدواء الأميركية FDA، لذلك كلنا أمل بهذا القانون الذي سيشجّع الصناعة الوطنية ويعمل على تحسين جودتها ونوعيتها وزيادة كمية إنتاجها وإنشاء مختبر مركزي لتفعيل المراقبة. وبناء على ذلك، يبقى تطبيقه في مراسيم تنظيمية سريعة، وبالتالي بدلاً من أن نستورد الدواء بمليار و٧٥٠ مليون دولار أميركي سنوياً، على الاقل نستطيع أن نعمل على خفض الاستيراد السنوي الذي يعد إنهاكاً لعملية الإنتاج وخفضه إلى ٦٠٠-٧٠٠ مليون دولار أميركي سنوياً”.

وأشار إلى أن “لبنان يستهلك سبعة في المئة من الدواء ويصدر الباقي إلى الخارج”، معتبراً أنها “نسبة متدنية مقارنة بدول الجوار مثل الأردن والسعودية ومصر، بحيث تنتج الأردن

بـ٨٠٠ مليون دولار أميركي سنوياً وتستهلك بـ ٣٠٠ مليون دولار في الداخل و٥٠٠ مليون يتم تصديرها إلى الخارج”.

تصوير: حسام شبارو

حب الله: تم إعطاء التراخيص لـ 5 مصانع جديدة

عن القوانين التي تحدث عنها عراجي، قال وزير الصناعة في حكومة تصريف الأعمال الدكتور عماد حب الله، في حديث خاص لموقع “لبنان الكبير”: “نتابع هذه القوانين خلال اجتماعاتنا التي نعقدها في جلسات اللجان النيابية وقد بحثنا في مشروع لحماية الصناعة عموماً والمتعلقة بالدواء خصوصاً، واليوم نرى أن هذه المشاريع بدأت تُطبّق تدريجيًّا. ورغم أن الإمكانات والمقوّمات موجودة سواء كانت بشرية أو مادية، إلا أن بعض القوانين والاتفاقات بين لبنان والخارج لا تزال تعيق عملنا وبالتالي نعمل على تغييرها”.

وشرح أن “القدرات الصناعية اللبنانية كبيرة جدًّا. فالدّواء يؤمّن عبر ١١ مصنعاً. هناك مصنعان للمصل، وواحد للمتممات الغذائية. أما باقي المصانع فمختصة بالأدوية، ولدينا القدرة اليوم أن نلبّي القسم الأكبر من السوق”.

وكشف أنه “على الرغم من الأزمة النقدية وعدم ثقة المستثمرين بالمصارف، إلا أن هناك الكثير من المستثمرين الجاهزين للاستثمار في هذه الصناعة”، لافتاً إلى أن “المصنع الواحد يمكنه أن يضخ من ١٥ مليون دولار إلى 30 مليوناً”. وبشّر بأنه “تم إعطاء التراخيص لخمسة مصانع جديدة، ما يعني أن هناك تشجيعاً كبيراً لصناعة الدواء المحلي في لبنان”، مشيراً إلى أنه “في الربع الأول من العام ارتفعت نسبة تصنيع الدواء إلى ما بين 20 إلى 30 في المئة عن العام الماضي، كما ارتفعت الاستثمارات إلى ٥٠ في المئة خلال الـ2020 ومن المتوقع أن نشهد زيادة في المصانع خلال هذا العام بخمسة جديدة، الأمر الذي سينعكس إيجاباً على الاقتصاد اللبناني خلال سنة أو سنتين كحد أقصى”.

ومن أجل تسهيل عملية الاستثمار، ناشد حب الله المواطن اللبناني “تشجيع المنتجات الدوائية الوطنية”، والجهات الضامنة كمؤسسة الضمان الاجتماعي “دعم الدواء اللبناني”، والدولة اللبنانية أن تتبع استراتيجية “المعاملة بالمثل لتسجيل الدواء عندما يأتي من أي دولة عربية، بحيث ننتظر سنتين لتُسجّل المصانع العربية الدواء اللبناني المصدر إليها بينما عندما نستورد الدواء من تلك البلدان نعمل على تسجيلها فوراً خلال مدة أقصاها أسبوعان”. كما شدد على “ضرورة تخفيف الضرائب وإلغاء الجمارك عن المواد الأولية للدواء وتأمين السيولة والمواد الأولية للمصانع من أجل استقطاب المزيد من الاستثمارات الخارجية”.

تصوير: حسام شبارو

الأمين: لإعطاء الأولوية لإقرار الهيئة الناظمة للدواء

يشرح نقيب الصيادلة غسان الأمين أن “أزمة الصناعة الوطنية للدواء تنقسم إلى قسمين. أولاً، تشكّل صناعة دواء الجينيريك سبعة في المئة من فاتورة الدواء، وهي تعتبر نسبة ضئيلة لبلد مصنّع، إذ أقلّه يجب تصنيع ٥٠ في المئة. أما نسبة الأدوية التي يتم نسخها عن الصناعة الأجنبية فهي تشكّل ١٣ في المئة، أي تأتي تحت اسم أجنبي وليس صناعة وطنية صافية، ومن ثم تباع في الصيدليات بأسعارها الأصليّة للدواء البراند، ما يزيد الأمر سوءاً على كاهل المواطن الفقير الذي لا يستطيع شراء الدواء. ثانياً، إن عدم وجود مختبر مركزي للتحاليل وإجراء الفحوصات باستمرار لهذه الصناعة، يُفقد المواطن ثقته بالصناعة المحلية، إذ تكمن أهميته بتعزيز الشفافية ونشر الوعي بين الناس حول الدواء الذي يتم استهلاكه سواء كان مستورداً أو صناعة لبنانية”، مشدداً على “أهمية تشجيع صناعة الدواء الجينيريك عبر إنشاء مختبر مركزي لدعم الصناعات الوطنية وتقديم الحوافز المالية له، ليستطيع أن يحل مكان الصناعة المستوردة ويخفّف حركة خروج العملة الصعبة أي الدولار من البلد”.

وعن مدى وعي البلدان العربية، كالأردن ومصر، أهميّة وجود مختبرات مركزيّة، يشير الأمين إلى أن “الأردن سبقنا بأشواط في حين وصلت فاتورته من الدواء الجينيريك إلى ٦٠ في المئة، أما في لبنان فتشير الفاتورة الدوائية إلى أن هناك ٨٠ في المئة من دوائنا براند و٢٠ في المئة “جينريك” وهذا أمرٌ مؤسف”، مؤكداً أنه “في ظل غياب سياسة دوائية ووزارة تخطيط سنظل نعتمد على الاستيراد”، مطالباً بـ “ضرورة مشاركة كل مؤسسات الدولة بدءاً من وزارة الصحة إلى الاقتصاد والثقافة والإعلام والمال، وصولاً إلى النقابات المعنية، ليصار هناك ورشة عمل لدعم الصناعة الوطنية، وصولاً إلى تعزيز الوضع الاقتصادي”.

ويشير الأمين إلى أن “لجنة الصحة النيابية  أقرت الهيئة الناظمة للدواء وقد شملت كل هذه الشروط، ومن المفترض بعد إحالة هذا المشروع إلى لجنة الإدارة والعدل أن يُعطى أولوية ويُتخد قرار به ليصبح قانوناً نافذاً”.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً