هل تمكّنت المصارف من زيادة رساميلها؟

فدى مكداشي
فدى مكداشي

لا يمكن فصل الأزمة المصرفيّة التي يعانيها لبنان اليوم عن الوضع السياسي المتأزم. ففي ظل انتظار تشكيل حكومة إصلاحية، يدور الحديث حالياً عما بلغته مراحل عملية إعادة هيكلة المصارف ورسملتها التزاماً يتعميمي مصرف لبنان، حول زيادة 20 في المئة من رأس المال وإعادة تكوين لحساباتها لدى المصارف المراسلة بنسبة 3 في المئة. فهل التزمت المصارف ولماذا لم يعلن مصرف لبنان بعد عن تلك غير الملتزمة؟

يوضح الخبير في الشؤون المصرفية القانونية خالد شاهين في حديث الى موقع “لبنان الكبير” أن “رساميل القطاع المصرفي يمكن أن تكون حرّة أو على شكل استثمارات أو ممتلكات”، مع تأكيده أن “القطاع المصرفي يتمتّع بملاءة كبيرة بما يعني موجوداته التي يمكن تسييلها على المدى المتوسّط والطّويل، وهي مرتفعة القيمة”. ويشرح أن “هذه المصارف التي تريد زيادة رساميلها يمكنها في أسوأ حالاتها أن تسيّل ممتلكاتها. لذلك، طلب مصرف لبنان منها إعادة تقويم محفظتها العقارية مقابل ديون متعثّرة للاستفادة من الفرق بالتسعير الذي يخُصّص لاستخدامه من أجل زيادة الـ٢٠ في المئة من الرساميل”. وأشار الى أن “أملاك المصارف تتعدى رساميلها المصرّح عنها”، وأن “مشكلة القطاع المصرفي هي بالسيولة وليست بالملاءة، لأن معظم المصارف تستطيع من خلال ملاءتها تأمين الرساميل، أما الكلام عن عدم تأمينها فيصب في خانة التوقعات”.

ولكن هل زادت المصارف رساميلها؟ يجيب شاهين: “معظم المصارف أصبحت خططها جاهزة، غير أنها لم تؤمّن أموالها ولم تزد رساميلها بعد. ولكن هناك بعض المصارف الكبيرة التي بدأت باتخاذ الخطوات اللاّزمة من ناحية بيع احد فروعها في إحدى البلدان العربية، إلا أن الإجراءات تستغرق بعضا من الوقت لحين موافقة السلطات المعنيّة”.

وعن مهلة زيادة رأس المال التي انتهت في  أواخر شباط، يرى شاهين أن “كل الخطوات التي يتّخذها مصرف لبنان هي احترازية تمهيدا لتشكيل حكومة كي تكون المصارف جاهزة لتلبية الاقتصاد الجديد الذي نتأمل أن نعود اليه”، مؤكدا أنه “لا يوجد أي مصرف مفلس أو متعثر أو غير قادر على سداد ديونه طالما يستطيع التلبية وفق ما يتناسب مع الحاجة الروتينية. كما أن المصرف المركزي استطاع خلال هذه السنوات، وخلال الأزمة، أن يحافظ على الاحتياطي الإلزامي، ملتزماً بالمعايير الدولية”.

“شاهين :أهم الحلول الناجعة دمج بعض المصارف أو تفكيك بعضها الفاسد والذي أثر سلبا على الاقتصاد”

من وجهة نظر قانونية، لا بد من التدقيق في المصطلحات ذات الصلة: الإفلاس، التوقف عن الدفع، والتعثّر.

يشرح الوزير السابق والمحامي زياد بارود أن “المصرف يُعتبر متوقفا عن الدفع اذا اعلن ذلك بنفسه، أو اذا لم يسدد دينا مترتبا عليه لمصرف لبنان عند استحقاقه، أو اذا سحب شيكا على مصرف لبنان بدون مؤونة كافية، أو اذا لم يؤمن المؤونة الكافية لتغطية رصيد مدين ناتج عن عمليات غرفة المقاصة”.

يقول بارود: “فور ثبوت توقف احد المصارف عن الدفع، يتوجب على حاكم مصرف لبنان ان يطلب من المحكمة المختصة تطبيق احكام القانون رقم 2/1967 على المصرف المذكور، ويعلم بذلك وزيري العدل والمالية. ويحق لكل دائن أن يطلب من المحكمة تطبيق القانون المذكور على المصرف في حال توافر شروط المادة 489 من قانون التجارة التي نصّت على: يعتبر في حالة الافلاس كل تاجر ينقطع عن دفع ديونه التجارية وكل تاجر لا يدعم الثقة المالية به الا بوسائل يظهر بجلاء انها غير مشروعة. تنظر المحكمة بهذا الطلب، وفي حال رأت أن شروطه متوافرة، تصدر قرارا باعلان التوقف عن الدفع وتحدد تاريخه المؤقت بعد اخذ رأي حاكم مصرف لبنان والاستماع الى ممثل المصرف المعني وتقرر تنحية رئيس واعضاء مجلس ادارة المصرف المتوقف عن الدفع. تعيّن المحكمة لجنة إدارة تتولى صلاحيات مجلس الادارة والجمعية العمومية العادية عند الاقتضاء وتمثل أيضا مجموعة دائني المصرف المتوقف عن الدفع وتتخذ التدابير التي تؤمن مصالح اصحاب الحقوق. اذا تبين للجنة، خلال مدة اقصاها 6 اشهر ان بإمكان المصرف أن يتابع اعماله، ترفع الامر الى المحكمة التي تتخذ قرارا (بعد استطلاع رأي مصرف لبنان) بدعوة المساهمين الى جمعية عمومية لانتخاب مجلس ادارة جديد. أما في حالة عدم تقديم اللجنة تقريرها في مهلة ستة اشهر من تعيينها او تقديم تقرير يفيد بعدم امكان متابعة المصرف نشاطه، يمكن بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء تعيين لجنة تؤلف من: حاكم مصرف لبنان رئيسا، رئيس مجلس شورى الدولة، مدير عام المالية في وزارة المالية، رجل قانون، خبير مالي او اقتصادي يقترحهما وزير المالية. تتابع خلال شهرين من تاريخ تعيينها مهام اللجنة السابقة، ويوسع مدى اختصاصاتها باعطائها صلاحية الجمعية العمومية غير العادية، وبتفويضهما السعي لايجاد حلول تؤمن مصالح اصحاب الحقوق بافضل الوسائل السريعة بعد اطلاعها على التقارير والمستندات المتعلقة بوضع المصرف والتحقق من صحتها. ولهذه الغاية يحق لهذه اللجنة اجراء مساع لايجاد مشترين للمصرف او لاسهمه. وبحسب قانون إصلاح الوضع المصرفي رقم 110/1991، يعود للمحكمة المصرفية الخاصة التي أنشأها ان تقرر بناء على احالة من حاكم المصرف المركزي وضع اليد على اي مصرف اذا تبين انه لم يعد في وضع يمكنه من متابعة اعماله. كما يحق لأي مصرف أن يطلب التصفية الذاتية”.

“بارود: التدقيق ممر إلزامي للحصول على أجوبة مقنعة حول ما أدّى بالمالية العامة إلى تعاظم ديونها وإلى انهيار الوضع المصرفي”

وبما أن للدمج أصولا نصّ عليها القانون مع حوافز للمصارف الدامجة، تساءل بارود: “هل ثمة مصارف لا تزال قادرة على ذلك بعد تراجع قيمة أصولها وبعد تعاظم نسبة الديون متعثّرة السداد وبعد أزمة السيولة المعمّمة؟ من سيندمج مع من؟ وهل أن التشريعات القائمة لا تزال كافية لمعالجة الأزمة الراهنة؟ هل تكفي القوانين النافذة؟”، مشيرا الى أن “ثمة تضخّماً في حجم القطاع المصرفي حيث عدد المصارف 63 في لبنان، بمقابل 13 في سويسرا و28 في فرنسا و10 في بريطانيا. يضاف إلى ذلك أنه جرى الحديث مع شركة لازارد عن ضرورة إعادة رسملة وهيكلة القطاع المصرفي”.

توقعات التدقيق الجنائي

لا شك أن مسألة التدقيق الجنائي أثارت إشكاليّة كبيرة مؤخّرا مع أهل السلطة وتقاذف المسؤوليات في ما بينهم، إلا أنها أمر ضروري لاستعراض المشكلات والبناء عليها .

في هذا السياق، يؤكد بارود أن “التدقيق ممر إلزامي للحصول على أجوبة مقنعة حول ما أدّى بالمالية العامة إلى تعاظم ديونها وإلى انهيار الوضع المصرفي. هو بداية مسار لا شك أنه سيؤدي إلى نتائج ملموسة بالأرقام والمعلومات، إذا ما قّيّد له أن يعبر مطبات السياسة والمصالح الشخصية والحمايات التقليدية”، مشيرا الى أن “133 سؤالا وجّهت إلى مصرف لبنان، لا شك أنّ الإجابة عليها تُدخل الملف إلى منصّة تشريح يبيّن أسباب الإصابة، حتى لا نقول الوفاة. شرط أن يُستكمل هذا التدقيق على مستوى سائر الوزارات والصناديق والمؤسسات العامة. سنشهد مطبات وممانعة تتخذ من القانون تغطية لمقاومة هذا التدقيق، ولذلك لا بد من مواكبة من الرأي العام والإعلام منعا لتمييع الموضوع. في التدقيق الجنائي، لا اتهام مسبق وقرينة البراءة تستمر قائمة، ولكن بنتيجة التدقيق ستظهر نتائج ملموسة مبنية على وقائع ثابتة وأرقام وإجراءات وخلاصات يُبنى عليها”.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً