اقتصاد “حزب الله” الموازي.. اللبنانيون جاعوا

المحرر الاقتصادي

لم يكن مفاجئاً أو جديداً التصريح الذي أطلقه الشيخ صادق النابلسي المحسوب على “حزب الله” حول “قدسية” التهريب إلى سوريا في إطار خلق “اقتصاد مقاوم” على غرار النموذج الإيراني في المقاومة. فالحزب ينتهج هذا المسار منذ بدء ثورة 17 تشرين الأول 2019 بحجة توفير “الأمن الغذائي والاجتماعي” لقاعدته وبيئته تحت شعار “لن نجوع”، وذلك استدراكاً منه بوجوب عدم فقدان السيطرة عليها ورغبة منه في تطوير اقتصاد مواز يقلل من اعتماده على الاقتصاد اللبناني.

كما ليس جديداً موضوع وجوب مكافحة التهريب عبر المعابر غير الشرعية والشرعية. ففي وقت كان لبنان يستهل التفاوض مع صندوق النقد الدولي في أيار من العام الماضي في مسعى منه للتوصل إلى برنامج تمويلي يساهم في استنهاض الاقتصاد الوطني، وجّه رسالة واضحة إلى الصندوق، ومن خلفه إلى المجتمع الدولي طبعاً، من خلال ترؤس رئيس الجمهورية ميشال عون اجتماعاً للمجلس الأعلى للدفاع خصص لبحث مسألة ضبط التهريب عبر المعابر غير الشرعية، وهو مطلب أساسي من مطالب صندوق النقد الدولي. علماً أن معظم هذه المعابر تقع في البقاع الشمالي تحت سيطرة “حزب الله”.

ومنذ حوالي العشرة أيام، أعلن وزير الطاقة ريمون غجر من السراي في إطار حديثه عن النقص في مادة المحروقات انه “تبين أن السبب الأساسي للشح الحاصل هو التهريب إلى خارج الأراضي اللبنانية بسبب الفرق في الأسعار بين لبنان وسوريا، وطالب القوى الأمنية والجيش اللبناني بـ”تفعيل الرقابة على الحدود الرسمية وغير الرسمية للحد من التهريب”. فيما كان الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله يقلّل في تصريح سابق من قدرة الجيش على مكافحة عمليات التهريب “حتى لو انتشر على كل الحدود”.

يستفيد الاقتصاد الموازي لـ”حزب الله” من جميع أنواع الدعم الذي يضطر مصرف لبنان إلى القيام به نيابة عن الحكومة. فهو يدعم القمح والدواء والمحروقات والمواد الغذائية وغيرها، لكنه لم يعد قادراً على الاستمرار بهذا الدعم بسبب الشح الكبير في احتياطاته من العملات. وكان الحاكم رياض سلامه نبّه منذ العام الماضي المسؤولين إلى حصول استغلال وتهريب للمواد المدعومة إلى سوريا وبعض دول الجوار.

تقول مصادر مطلعة على ملف الدعم إن “حزب الله” يقوم بشراء السلع المدعومة مما تبقى من احتياطات بالعملات قابلة للاستخدام في مصرف لبنان، ويهرّبها إلى الخارج لاسيما إلى سوريا والعراق، حيت يتم بيعها بأسعار أعلى ليجني أرباحاً يشتري بها موادّ وسلعاً من إيران وسوريا والعراق تهرّب إلى لبنان من دون أن تستوفى عليها رسوم جمركية ويتم بيعها في تعاونيات خاصة به فيحقق أرباحاً يشتري منها مجدداً سلعاً مدعومة. وهكذا دواليك.

ولكن ما سيكون مصير الدعم؟ تجيب المصادر إياها أن البحث فيه أرجئ إلى ما بعد شهر رمضان الكريم، متوقعاً تحركات من قبل “حزب الله” لعدم رفعه.

وهذا ما من شأنه أن يفاقم استنزاف احتياطات مصرف لبنان فيما الحكومة لا تزال تتخبط في موضوع البطاقة التمويلية ومصادر تمويلها.

تكلفة التهريب

ما هي التكلفة التي نتكبدها جراء دعم اقتصادين؟ تكشف دراسة أعدتها نهاية العام الماضي مجموعة من الخبراء، أنه يخرج يومياً من ودائع المواطنين في مصرف لبنان ما قيمته 12.2 مليون دولار لدعم شراء المحروقات والقمح وغيرها من المواد الاساسية، وان هذا يعني أن المبلغ الذي يخرج سنوياً من المركزي يصل إلى 4.45 مليارات دولار. لكن تبين أن هذا الرقم أعلى بكثير. إذ أظهرت الأرقام التي نشرها المجلس الاقتصادي والاجتماعي بناء لبيانات رسمية أن تكلفة الدعم بلغت في العام 2021 ما قيمته 6.2 مليارات دولار. بمعنى أن المبالغ اليومية التي تخرج من مصرف لبنان قد تتخطى الـ17 مليون دولار.

المهم أن الدراسة تشير إلى أن اللبنانيين يستفيدون فقط من مبلغ 2.4 مليوني دولار من مبلغ الدعم اليومي و9.8 ملايين دولار يستفيد منها الخارج. بمعنى آخر، فان 20 في المئة من مبلغ الدعم يستفيد منها اللبنانيون، فيما 30 في المئة يستفيد منه من يعيشون في سوريا من خلال تهريب المحروقات والقمح التي تعبر الحدود بطريقة غير شرعية. فيما نسبة 10 في المئة يستفيد منها المستوردون والتجار. وفي المقابل، فان 40 في المئة ممن يستفيدون من الدعم في الداخل لا يحتاجون إليه.

إن الاقتصاد الموازي لـ”حزب الله” يلعب دوراً رئيسياً في الأزمة الاقتصادية في لبنان. فهو يقوم منذ سنوات طويلة بتهريب البضائع وتمريرها لمصلحته أو لمصلحة رجال أعمال محسوبين عليه من دون أن يدفع الضرائب أو الرسوم، وبالتالي يفوّت على خزينة الدولة المليارات من الليرات. وهو ما أثير منذ سنوات في ما يتعلق بمرفأ بيروت حيث كانت تخرج السلع والبضائع من دون سداد الرسوم عليها والتي قدرت في حينه بحوالي ملياري دولار.

يشار أخيراً في هذا الإطار إلى أن وزارة الخزانة الأميركية فرضت في العام 2019، عقوبات على مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في “حزب الله” وفيق صفا بسبب استغلاله “الموانئ والمعابر الحدودية اللبنانية للتهريب وتسهيل السفر بالنيابة عن حزب الله”، وفق ما جاء في بيان للسفارة الأميركية آنذاك.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً