واشنطن: على المصارف التخلص من المودعين الفاسدين ووقف التدفقات غير القانونية

المحرر الاقتصادي

لا شكّ أن العام 2022 سيكون عاماً مفصلياً بالنسبة إلى القطاع المصرفي. ففي العام المقبل، سيتحدد مصير عشرات المصارف التي هي في حالة احتضار منذ اندلعت الأزمة الاقتصادية المركبة في لبنان عام 2019.

فقبل عامين، تبدّل الدور المنوط بالقطاع المصرفي رأساً على عقب، علماً أن وضعه لم يكن سوياً قبلهما نتيجة عوامل عديدة داخلية وخارجية، سياسية واقتصادية. من أبرز هذه العوامل، أن نمو حجم الودائع الذي وصل الى 12 في المئة عام 2010، صار يتقلص في السنوات التالية حتى باتت غير قادرة على تمويل العجز المالي الذي كان ينمو بوتيرة أعلى. كما أن بعض المصارف الذي اعتمد سياسة توسعية في السنوات التالية تعرض لانتكاسة في الدول التي توسع فيها. علما أن الثقة بالقطاع كانت تتراجع تدريجياً في وقت كان لبنان يسجل فراغات في المؤسسات الدستورية كانت كلفتها باهظة على جميع القطاعات، ومنها القطاع المصرفي.

الأربعاء الماضي، التقت جمعية مصارف لبنان افتراضياً وكيل وزارة الخزانة الأميركية للإرهاب والاستخبارات المالية، براين نيلسون. وهو الاجتماع الأول للمسؤول الأميركي بعدما كان أدى اليمين في اليوم عينه.

هذا الاجتماع جاء بديلاً عن اللقاءات المباشرة التي كانت تجريها جمعية مصارف لبنان في واشنطن في مثل هذه الايام تلتقي فيها مسؤولين في وزارة الخزانة الاميركية والاحتياطي الفيدرالي ونواباً مسؤولين عن متابعة الشأن المالي والمصرفي، لبحث الواقع النقدي والمالي في لبنان ومدى امتثال المصارف اللبنانية للإجراءات الاميركية لمكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب.

ولعل أهم ما يمكن استخلاصه من هذا الاجتماع الذي حمل عنوان “مكافحة الفساد في النظام المالي اللبناني”، أن واشنطن باتت تولي اليوم الأهمية الكبرى لمسألة مكافحة الفساد أكثر من موضوع تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، باعتبار أن هناك فساداً على نطاق واسع في لبنان يقوّض سيادة القانون. من هذا المنطلق، جاءت العقوبات التي فرضتها واشنطن أخيراً على رجال أعمال ومسؤولين تحت غطاء قانون ماغنيتسكي المرتبط بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والفساد والذي مدده الرئيس الاميركي جو بايدن في 16 كانون الأول الحالي لعام واحد.

وحسب مصادر اطلعت على محضر اللقاء، فإن المسؤول الأميركي أبلغ المصارف بأن الاجراءات التي تطبقها وفقاً للمعايير المالية الدولية “جيدة لكنها غير كافية”، وحضها على اتخاذ المزيد من التدابير لحماية النظام المالي في لبنان من الفساد، من خلال القيام بالتدقيق المالي حول حسابات الشخصيات البارزة سياسياً (Pep,s) وتحديد مصادر أموالها.

وذكرت المصادر أن المسؤول الأميركي كان متشدداً جداً بوجوب التزام المصارف اللبنانية بتطبيق ما يُعرف بـ”إعرف عميلك” (Know your Customer) والذي يتم من خلاله عملية التحقق من هوية العُملاء وتقويم مدى ملاءمتهم للمعايير المالية الدولية المطلوبة.

وأبدى نيلسون في المقابل قلقه من تحول لبنان من نظام مالي ونقدي ومصرفي منظّم، تحت المراقبة والمجهر الدولي، يحترم كل الاتفاقات العالمية إلى اقتصاد نقدي، أو مع يعرف بـ”اقتصاد الكاش” وهو الأخطر عالمياً لانه لا ضوابط عليه.

وأكدت المصادر أن موضوع “القرض الحسن” التابع لـ”حزب الله” كان حاضراً بقوة، إذ دعا المسؤول الاميركي المصارف الى محاربة أنشطتها، لكن الاخيرة شرحت له أن “القرض الحسن” جمعية غير مرخص لها بما تقوم به اليوم ويجب أن تُسأل عن هذا الأمر وزارة الداخلية المكلفة اعطاء تراخيص للجمعيات. واستعار نيلسون هنا ملف مصرف “جمّال تراست” الذي فرضت عليه الادارة الاميركية عقوبات، لتذكير المصارف غير المتعاونة بمصيرها.

وكانت واشنطن فرضت عقوبات على “جمّال تراست بنك” في 29 آب 2019، بعدما اتهمته بتقديم خدمات مصرفية لـ”حزب الله”. وقالت وزارة الخزانة في حينه إن “المؤسسات المالية الفاسدة مثل جمّال تراست تشكل تهديدا مباشرا لنزاهة النظام المالي اللبناني”.

كما ذكّر نيلسون المصارف بالعقوبات التي فرضتها وزراة الخزانة الاميركية في تشرين الاول الماضي على المقاولين جهاد العرب وداني خوري، اللذين قالت الخزانة الاميركية انهما استغلا علاقاتهما مع سياسيين لجمع مبالغ طائلة. والموضوع عينه بالنسبة الى العقوبات المفروضة على النائب جميل السيد الذي تقول الخزانة استخدم نفوذه كنائب للاحتيال على النظام المصرفي اللبناني وتحويل 120 مليون دولار من أمواله وأموال شركائه إلى الخارج.

وحسب بيان رسمي صادر عن جمعية مصارف لبنان، فإن نيلسون “شدّد على التزام الولايات المتحدة والخزانة الأميركية بدعم الشعب اللبناني والاستمرار في مواجهة حزب الله وقدرته على استغلال النظام المالي اللبناني والعالمي، كما مكافحة الفساد، من خلال محاسبة من تحايلوا على القانون وقوّضوا المؤسسات اللبنانية من أجل مصالحهم الخاصة، في ظلّ انهيار البلد”.

وكان نيلسون استهل لقاءه مع جمعية المصارف، فقال إن الجمعية لطالما كانت شريكاً مهماً بالنسبة الى وزارة الخزانة الأميركية، وأن فريق عمله أخبره بالمحادثات المثمرة التي كانت تجري معها في السنوات السابقة، “وانا أتطلع للاستمرار في التعاون مع الجمعية خلال فترة عملي”.

ويعبّر رئيس “المجموعة الاميركية من أجل لبنان”، اداورد غابريال، بوضوح لا لبس فيه عن مضمون اللقاء بين نيلسون والمصارف اللبنانية والذي يستهدف مكافحة الفساد بالدرجة الاولى. وهو قال: “لقد لقيت التعليقات الواضحة والرسمية من وكيل الوزارة استحساناً واسع النطاق في لبنان. ففي تأكيد على أولوية إدارة بايدن كشف الفساد في جميع أنحاء العالم، دعا نيلسون المصرفيين للعمل مع الولايات المتحدة في محاولة للتخلص من المودعين الفاسدين، ووقف التدفقات غير القانونية للأموال، وسنّ ممارسات مصرفية شفافة تحمي المودعين النزيهين. كما لفتهم إلى أن المصرفيين الفاسدين سيعانون من عواقب بموجب القانون الدولي والأميركي. من الواضح أن إدارة بايدن تعطي الأولوية لجهود مكافحة الفساد وستحاسب الفاعلين الفاسدين على دورهم في زعزعة استقرار النظام المصرفي اللبناني، والمزيد من العقوبات على الأفراد ستصدر قريباً”.

شارك المقال